[بعض القواعد التي يعرف بها المعيار في التشبه بالكافرين]
الموضوع الثالث: إشارة إلى بعض القواعد الضرورية التي بها نفهم المعيار في التشبه.
القاعدة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بخبر صادق لا يتخلف أن هذه الأمة لابد أن تتبع سنن من كان قبلها من الأمم الأخرى، وحديث اتباع سنن من كان قبلنا حديث صحيح، ورد في الصحاح والسنن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع)، وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تصل إلى حد الجزم بأن طوائف من هذه الأمة ستقع في تقليد الكافرين، والسنن هنا التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل العلم: تشمل العقائد والعبادات والأحكام والعادات والسلوك والأعياد.
والمقصود بالذين من قبلنا فُسر في أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: أنه فسرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم فارس والروم، وفسرهم بأنهم أهل الكتاب، وفسرهم بأنهم الكفار على وجه الإطلاق، وفسرهم بأنهم المشركون، وهذه النصوص أيضاً يوافق بعضها بعضاً، كما أن الذين سيقعون من هذه الأمة في مشابهة الكافرين إنما هم الفرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه ستبقى طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين منصورين يصدعون بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، وهؤلاء هم الفرقة الناجية، ومن ضرورات نجاتها وكونها على الحق ألا تقع في مشابهة الكافرين، فعلى هذا يكون إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة أنها ستقع المراد بذلك طوائف من هذه الأمة، وهم أهل الافتراق الذين افترقوا عن السنة والجماعة.
القاعدة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبرنا بوقوع التشبه أو اتباع سنن الكافرين حذر من هذا الأمر أشد التحذير، فأولاً: إخباره بذلك يتضمن التحذير، وثانياً: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من مشابهة الكافرين جملة وتفصيلاً، أما الجملة فكقوله صلى الله عليه وسلم:(من تشبه بقوم فهو منهم)، وكهذا الحديث:(لتتبعن سنن من كان قبلكم)، فهذا على وجه التحذير، والإخبار عن وقوع المشابهة، وكذلك ورد في نصوص كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خالفوا المشركين)، (خالفوا اليهود)، (خالفوا المجوس)، فهذه نصوص عامة، أما على وجه التفصيل فسيأتي -إن شاء الله- في الموضوع الثامن نماذج لهذه الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي سيقع التشبه من بعض المسلمين فيها بالكفار.
القاعدة الثالثة: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته ستبقى مستمسكة بالحق لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى أن تقوم الساعة.
هذه القواعد لا يمكن أن ينفصل بعضها عن بعض عند النظر في مسائل التشبه؛ لأنا لو فصلنا هذه النصوص بعضها عن بعض لتوهم بعض الناس أن المسلمين كلهم سيقعون في التشبه، وهذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يناقض حفظ الدين، فالله تعالى تكفل بحفظه؛ ولأن هذا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم بأن هناك طائفة ستبقى على الحق ظاهرة، أيضاً لو أخذنا بالحديث الآخر -وهو:(ستبقى طائفة) - ولم نأخذ بالحديث الأول لتوهم بعض الناس أن هذه الأمة معصومة من الوقوع بالتشبه بالكافرين، والأمر ليس بهذا ولا بذاك إنما ستبقى الأمة الوسط أهل السنة والجماعة هم الذين على السنة لا يتشبهون، والفرق الأخرى التي افترقت عن أهل السنة والجماعة إنما صار افتراقها بوقوع في التشبه، كما سيأتي أيضاً نماذج لذلك.