[عدم اختلاف أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين]
من البديهيات ومن المسلمات: أن أهل السنة والجماعة الذين يتمثل فيهم سبيل المؤمنين، والذين هم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى قيام الساعة، أنهم لا يختلفون في أصل من أصول الدين أبداً، وليس عندهم خلاف في قضايا العقيدة إطلاقاً، وهذه مسلمة أتحدى من يأتي بخلافها، لكن قد توجد بعض المسائل ملحقة بأصول العقيدة، وهي ليست من الأصول يختلف عليها السلف، تذكر من الناحية العلمية فقط، مثلاً: السلف لا يشكون أبداً بوقوع الرؤية العينية من قبل المؤمنين لربهم في الجنة، نسأل الله أن يمتعنا بذلك جميعاً، ولكن مع ذلك اختلفوا في الرؤية العامة في يوم المحشر مع أنها ثابتة قطعاً، لكن اختلفوا هل هي بالعين أم بالقلب؟ بينما رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بالعين لا شك في ذلك، وليس عند السلف اختلاف في ذلك، لكن هناك خلاف في نوع الرؤية العامة لا في أصلها.
أيضاً السلف ألحقوا كثيراً من المسائل بأصول العقيدة، واختلفوا في هذه الملحقات الفرعية لهذه الأصول، ولذلك هذه ميزة يدركها من بصره الله ووفقه للحق: أن أهل السنة بحمد الله إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة لا يختلفون في أصل من أصول الدين إطلاقاً، وليس عندهم أصل من الأصول ليس عليه دليل، ومن هنا أحب أن أشير إلى الذين لبسوا على كثير من شبابنا الآن ممن لم يوفقهم الله للهدى وانصرفت قلوبهم عن الحق، هؤلاء زعموا أن كثيراً من أصول الدين عند السلف مختلف عليها، وكذبوا والله وليس عندهم على ذلك دليل، وزعموا أن أصول الدين ليست كلها من الكتاب والسنة، إنما هي تراكمات تاريخية -بزعمهم- صنعها السلف وردود أفعال، وزعمهم أن أصول السلف وأهل السنة والجماعة كانت نتيجة صنع السياسة، في عهد بني أمية وبني العباس، وأما السلف ما هم إلا رجال خضعوا للسلاطين فقرروا من الدين ما يهواه السلاطين، وبدعوا من يخالف السلاطين، وحكموا بقتل من لا يرضاه السلاطين، وزعموا -قاتلهم الله أنى يؤفكون- أن السلف ما قاموا ضد الجهمية إلا استجابة لرغبة بني أمية، وما قاموا ضد المعتزلة إلا استجابة لرغبة الحكام، وما حكموا بقتل الجعد بن درهم إلا استجابة لسلاطين بني أمية، وما حكموا بقتل الجهم إلا استجابة لطلب بني أمية، وهذا القول قاله أسلافهم من ماضي القرون، والعجيب أن ينطلي هذا على أناس ينتسبون للعلم الديني من أبناء أهل السنة والجماعة، ويقع في نفوسهم أن العقيدة ردود أفعال.
وهؤلاء الملبسون هم الذين قال الله فيهم:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}[آل عمران:٧] أي: من القرآن والسنة والدين، {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:٧]، ولذلك عمت الفتنة بهذه المقالات بعض شبابنا الآن، وصدقوا هؤلاء وزعزعوا عقائدهم، وجعلوهم يتساءلون التساؤل الذي يدل على الشك في البدهيات.
إذاً: أهل السنة لا يختلفون في أصل من أصول الدين، لكن مع ذلك قد يكون من بعض أفراد أهل السنة حتى من العلماء من تكون له أقوال شاذة، لكن ليست محسوبة على العقيدة، قد تكون منهم مواقف شاذة من أفرادهم لا من جملتهم، أما في الجملة فهم معصومون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا تجتمع أمتي على ضلالة)، لكن أفرادهم ليسوا بمعصومين، فقد يقع إمام من أهل السنة في زلة في عقيدة أو في قول أو في موقف أو في خلق أو في تعامل مع الآخرين، فالدين بريء من هذه الزلات، والسنة بريئة منها، لذلك لا نجد أصلاً من أصول السنة إلا وهو متفق عليها، وما لم يتفق عليه فليس بأصل، وما ليس له دليل من الكتاب والسنة فليس بأصل، وما أثاره أولئك الملبسون الذين أشرت إليهم من أن أهل السنة يستدلون بالضعيف والمرجوح، هذه مهزلة، لا يجب أن تنطلي على أحد، فهم خلطوا بين الاستدلال وبين وجود الأحاديث الضعيفة والموضوعة في بعض كتب أهل السنة، نعم، قد توجد في كتب أهل السنة أحاديث ضعيفة، لكن ليست أدلة، إنما جاءت عند بعض السلف الذين ظنوا أنها صحيحة، أو عرفوا أنها ضعيفة، لكن جاءوا بها للاعتضاد، مثلما تجيش جيوشاً من القواد المدربين ومن عامة الناس غير المدربين، فالأصل والعمدة هم أولئك المدربون القواد، فهم الذين يعتمد عليهم بعد الله عز وجل في القيادة، فكذلك النصوص الشرعية لا يؤخذ منها في الدين إلا ما كان صحيحاً، وما لم يصح قد يستدل به بعض الأئمة من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد، فليس عند أهل السنة ولا أقرانهم استدلال على أصل من أصول الدين القطعية بدليل ضعيف، لكن يستدلون بالآية وبالحديث الصحيح، ثم قد يأتون بأدلة ضعيفة من باب الاعتضاد؛ لأنها محتملة الصحة، كذلك من الأحاديث الموضوعة بعض الأئمة قد يرى صحته فيرويه، وغيره يرى أنه موضوع، فقد نحكم على هذا الحديث بأنه موضوع، ومن يرويه يرى أنه ضعيف.
أقول: وقع من بعض المسلمين من يزعم أن أهل السنة يستدلون بهذه الأحاديث الضعيفة، وأنه وجدت في كتبهم الأحاديث الضعيفة، نقول