أذرى لخوف البين حرّ مدامعٍ ... في در خدٍّ فيه ذوب عقيق
هو في تناهي صدق حسنٍ فائقٌ ... في حسن صورة يوسف الصديق
قامت على رجلٍ به الدنيا لنا ... إن قام بالمنديل والإبريق
فرأى على قلبي لواحظ طرفه ... وتلا كتاب الحب بالتحقيق
إن دام ذا في حسنه أبداً لنا ... سمّي فقيه العصر بالزنديق
قال: فقال المأمون: أحسنت ويحك فمن صاحب هذه الأبيات؟ قلت: فلانٌ يا أمير المؤمنين. فقال: أشعر والله منه في هذا المعنى شيخ الشعراء أبو نواس حيث يقول:
كُفّي فلست لعاذلٍ بمطيق ... بلغ الهوى بي غاية التحقيق
قطع الهوى فرط الشباب بباطلٍ ... أيدي الزمان وألسن التصديق
وجداولٌ موصولةٌ بجداولٍ ... من صوب غاديةٍ ولمع بروق
تكسو مدامعه الرياض عرائساً ... من نرجسٍ متكاثفٍ وشقيق
باكرتها قبل الصباح بسحرةٍ ... قبل ابتكار مجرة العيّوق
من كف أحور ذي عذارٍ أخضرٍ ... يسبي القلوب بقدّه الممشوق
فكأن ما في الكأس من إبريقه ... نارٌ تسلل من فم الإبريق
وكأنها والماء يأخذ جسمها ... درٌّ يُنثر فوق أرض عقيق
وتضوع مسكاً في الزجاجة أذفراً ... ذوب الشباب معصفراً بخلوق
قمرٌ عليه من البدائع حلةٌ ... يسقيك كأس هوىً وكأس رحيق
ما طاب عيش فتىً يطيب بغيرها ... لا سيما إن شجها بالريق
يغنيك عن ورد الرياض وزهرها ... منه تورّد خدّه المعشوق
قال فقلت: يا أمير المؤمنين قد حضرني في هذا المعنى شيء فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إنشاده؟ قال: هات. فقلت:
جسمٌ مركَّبه في العين إنسيُّ ... وفي اللطافة والأجناس عدنيُّ
ما يعرف الطرف من أعراض جوهره ... إلا الذي يخبر الفكر القياسي
وكلّ من غاص في إدراك صورته ... فإنما نطقه في ذاك وهميّ
حاز المحاسن والأنوار أجمعها ... فالحسن من حسنه في الخلق جزئي
إذا العيون تراءته تراهقها ... من حسن صورته اللحظ الظلامي
ما دبّ في فطن الأوهام من حسنٍ ... إلا وكان له الحظ الخصوصي
كأن جبهته من تحت طرته ... بدرٌ يتوجه الليل البهيمي
كأن عينيه خرطا جزعتي يمنٍ ... من كل حافاتها سهم صيابيّ
كأن صدغيه قافا كاتبٍ مشقا ... من فوق ياقوتةٍ والخد وردي
كأنما الثغر منه في تبسمه ... درٌ تفلّق عنه البحر لجيّ
كأنما الردف منه إذ يميس به ... موجٌ يكفكفه الريح الجنوبي
لو مس أجبال ماهان لفجّرها ... بالماء يسعده الطلّ الغمامي
أو لامس الماء لانسابت أنامله ... كالثلج حلّ به الودق السخامي
جنسيُّ نورٍ على كنهيّ جوهرةٍ ... من روح قدسٍ أو الأنوار بريّ
يسقي بجوهرةٍ في جوف جوهرةٍ ... من نور جوهرةٍ واللون جنسي
ماءٌ وماءٌ وفي ماءٍ يديرهما ... ماءٌ خلافهما والطيب تيهيّ
قد جلّ عن طيب أهل الأرض عنبره ... ومسكه فهو الطيب السماويّ
إذا رأته عيون الخلق أحسرها ... نوراً ولاحظها الحسن الهوائيّ
كادت محاسنه من لطف رقته ... تصير عيباً وما للعيب كيفيّ
سبحان خالقه ماذا أراد به ... لولاه لم يكن الفعل السريريّ
إذا أدار علينا الكأس جمّشه ... من ودّ أسرارنا ودٌّ حقيقي
مصورٌ طرفت عين الزمان به ... واكتنّه من جناح الخفض علويّ