الشعر الأول والثاني لأبي سعد المخزومي. قال حمدون بن إسماعيل: بعث الأفشين إلى المعتصم من الحبس أن يا أمير المؤمنين مثلي ومثلك مثل رجل ربّى عجلاً له حتى أسمنه وكبر وحسنت حاله وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه فعرضوا له بذبح العجل فلم يجبهم إلى ذلك، فاتفقوا جميعاً على أن قالوا له ذات يوم: ويحك لم تر هذا الأسد وقد كبر؟ والسبع إذا كبر رجع إلى جنسه. فقال لهم: هذا عجل! فقالوا: هذا سبع سل من شئت عنه، وقد تقدموا إلى جميع من يعرفه أنه إن سألهم عنه قالوا هو سبع. فأمر بالعجل فذبح. ولكني أنا ذلك العجل كيف أقدر أن أكون أسداً؟ الله الله في أمري فقد وجب حقّي وأنت سيدي ومولاي! فلم يلتفت المعتصم إلى رسالته، وغلظ عليه الأمر حتى قيل إنه قد مات، فقال المعتصم: أروه ابنه. فأخرجوه مكبلاً بالحديد فطرحوه بين يديه، فلما رآه نتف لحيته ودعا بالويل والثبور ثم ردوه إلى منزل إيتاخ، وكان يطعم في كل يوم رغيفاً حتى مات فأخرجوه وصلبوه على باب العامة ثم أحرق ورمي به في دجلة.
قيل: وكان العجيف بن عنبسة ممن خرج مع العباس بن المأمون على المعتصم وسعى في الخلاف عليه، قال: فحدثنا أبو طالب قال: كنت مع محمد بن الفضل الجرجرائي فالتفت إلى رجل عنده فقال: حدث أبا طالب بما حدثتني به. فأقبل عليّ الرجل يحدثني. فسألت عنه فقيل: هو عمر بن عمرو القرقارة الكاتب.
قال: كنت أتقلد ضياع عجيف بناحية كسكر فرفع عليّ أني خربت ضياعه فكتب في حملي، فأُدخلت عليه في داره التي بسر من رأى وهو يطوف على الضياع وعلى رأسه برطلة خوصٍ، فلما نظر إليّ قال: أخربت ضياعي وأخذت أموالي والله لأقتلنك! ودعا بالسياط، فبلت فرقاً منه، فكأني أنظر إلى البول يأخذ في سراويلي يميناً وشمالاً، وأومأت إلى الكاتب فالتفت الكاتب إلى عجيف فقال: أيها الأمير أنت مشغول القلب بما يحتاج أن تأمر به وتشرف عليه وهذا في أيدينا فإن كان ما رفع عليه حقاً فالأمير من وراء ذلك وإن كان باطلاً لم تأثم فيه. فقال: الحبس. فلبثت في الحبس أياماً فوجه إليّ كاتب عجيف فأتيته، فقال لي: طاب لك المكان. ما معك؟ فبررته بشيء فأطلقني. فقلت لغلامي: قد نالنا من الحبس والغرم ما نالنا، وصديقي فلان بن فلان صاحب الديوان أحتاج أن ألقاه لعل الله عز وجل أن يسهل عملاً.
فشخص فيه. فأتيت صديقي ذلك فقال لي: أنت في الحياة! هاهنا عملٌ في ديار ربيعة أقلدكه.
فتقلدته وخرجت أنا وغلامي فما زلت أسير حتى أتيت باعيناثا، فغمزني البول في السحر وهي مقمرة فنزلت عن دابتي وجلست وأنا أبول فقلت لغلامي: ويحك لكأني أبول في ثيابي فاطلب لي ماء. فقال: الناس نيام. فلم أزل واقفاً حتى خرج بعض أوائل الأنباط فطلب الغلام منه ماء فجاء به فجعل هو والغلام يصبان عليّ الماء وأنا أغسل ثيابي. فقال لي النبطي: وأين بلت؟ قلت: هاهنا. قال: هذا نطع عجيف! قلت: عجيف! قال: نعم. قلت: ما يعمل عجيف هاهنا؟ قال: أوما بلغك أن أمير المؤمنين بعث إليه بشربة فأقامته ثلاثمائة مجلس فمات فلُفّ في نطع وها هوذا؟ فصبرت حتى أصبحت فنظرت إلى النطع فقلت: لا إله إلا الله! بينا أنا بالأمس بين يديه أبول من فرقه حتى جئت فبلت عليه.
قيل: وسخط المعتصم على الفضل بن مروان فأمر بحبسه وتقييده واستئدائه ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار ورفعت فيه القصص، فأقبل أحمد بن عمار يقرأها فوقعت في يده قصة في نصف طومار فإذا فيها شعر، فتوقف عن قراءتها. فقال: ما توقفك؟ قال: إنه شعر. قال: هاته. فإذا فيها:
لا تعجبنّ فما بالدهر من عجب ... ولا من الله من حصنٍ ولاهرب
يا فضل لا تجزعن مما ابتليت به ... من خاصم الدهر أجثاه على الركب
كم من كريمٍ نشا في بيت مكرمةٍ ... أتاك مختنقاً بالهمّ والكرب
أوليته منك إذلالاً ومنقصةً ... فخاب منك ومن ذي العرش لم يخب
وكم وثبت على قومٍ ذوي سرفٍ ... فما تلعثمت عن زور وعن كذب
خنت الإمام وهذا الخلق قاطبةً ... وجرت حتى أتى المقدور في الكتب
جمعت شتى وقد أديتها جملاً ... لأنت أخسر من حمالة الحطب