ويقال: إن كسرى أبرويز كان نصب رجلاً يمتحن به من فسدت عليه نيته من رعيته وطعن في المملكة، فكان الرجل يُظهر التأله والدعاء إلى التخلي من الدنيا والرغبة في الآخرة وترك أبواب الملوك، وكان يقص على الناس ويبكيهم ويشوب كلامه في خلال ذلك بذم الملك وتركه شرائع ملته وسنن سيرته ودينه الذي كان عليه، وكان هذا الرجل يمتثل ما حدّه له أبرويز ليمتحن بذلك خاصته، وكان من يسعى يخبر أبرويز بذلك، فيضحك ويقول: فلان في عقله ضعف وأنا أعلم أنه وإن كان بتكلم بما يتكلم لا يقصدني بسوء ولا المملكة بما يوهنها، ويظهر الاستهانة بأمره والثقة به والطمأنينة إليه، ثم توجه إليه في خلال ذلك من يدعوه فيأبى أن يجيبه ويقول: لا ينبغي لمن خاف الله أن يخاف أحداً سواه، فكان الطاعن على الملك والمملكة يكثر الخلوة بهذا الرجل والزيارة له والأنس به، فإذا خلوا تذاكرا أمر الملك فابتدأ الناسك فطعن فيه وأعانه الخائن وطابقه على ذلك وشايعه، فيقول الناسك: إياك وأن يظهر هذا الجبار على كلامك فإنه لا يحتمل لك ما يحتمله لي، فحصّ منه دمك، فيزداد الآخر إليه استنامة وبه ثقة، فإذا علم الناسك أنه قد بلغ من الطعن على الملك ما يستوجب به العقوبة في الشريعة قال لمن بحضرته: إني قاعد غداً مجلساً للناس أقص عليهم فاحضروه، ويقول لمن هو أشد به ثقة: احضر أنت فإنك رجل رقيق عند الذكر حسن النية ساكن الريح بعيد الصوت وإن الناس إذا رأوك قد حضرت زادت نياتهم خيراً وسارعوا إلى استجابتي، فيقول الرجل: إني أخاف من هذا الجبار فلا تذكره إن حضرت، وكانت العلامة بينه وبين أبرويز أن أبرويز قد كان وضع عيوناً يحضرون متى جلس، فكان الناسك يقصّ على العامة ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة والخائن حاضر، فيأخذ الناسك في ذكر الملك، فينهض الخائن، وتجيء عيون أبرويز فتخبره بما كان، فإذا زال الشك عنه في أمره وجّهه إلى بعض البلدان وكتب إلى عامله: قد وجهت إليك برجل وهو قادم عليك بعد كتابي هذا فأظهر بره والأنس به والثقة إليه والسكون إلى ناحيته فإذا اطمأنت به الدار فاقتله قتلةً تحيي بها بيت النار وتصل بها حرمة النوبهار، فإن من فسدت نيته بغير علة في الخاصة والعامة لم يصلح بعلة، ومن فسدت نيته بعلة صلحت بخلافها.