قال: وحدثنا الوضّاح بن محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا بديل بن حبيب يقول: كنا إذا خرجنا من عند أبي جعفر المنصور صرنا إلى المهدي وهو يومئذٍ ولي عهد، ففعلنا ذلك يوماً فأبرز لي المنصور يده فانكببت عليها فقبلتها، فضرب يدي بيده، فعلمت أنه لم يفعل ذلك إلا لشيء في يده، فوضع في يدي كتاباً صغيراً تستره الكف، فلما خرجت قرأت الكتاب فإذا فيه: إذا قرأت كتابي هذا فاستأذن إلى ضياعك بالري، فرجعت فاستأذنت فقلت: يا أمير المؤمنين ضياعي بالري قد اختلت ولي حاجة إلى مطالعتها. فقال: لا ولا كرامة، فخرجت ثم عدت إليه اليوم الثاني فكلمته، فردّ عليّ مثل الجواب الأول، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما أردت صلاحها لأقوى بها على خدمتك، فقال: إذا شئت، فقلت: يا أمير المؤمنين فلي حاجة أذكرها. قال: قلت: أحتاج إلى خلوة، فنهض القوم وبقي الربيع، فقلت أحلني، قال: ومن الربيع؟ قلت نعم، فتنحى الربيع فقال: إن جدت لي بدمك ومالك، فقلت: يا أمير المؤمنين وهل أنا ومالي إلا من نعمتك؟ حقنت دمي ورددت علي مالي وآثرتني بصحبتك، فقال: إنه يهجس في نفسي أن المرار بن جهور على خلعي وليس لي غيرك لما أعرف بينكما فاظهر إذا صرت إليه الوقيعة فيّ والتنقّص لي حتى تعرف ما عنده فإذا رأيته يهمّ بخلعي فاكتب إليّ ولا تكتبن على بريد ولا مع رسول ولا يفوتني خبرك في كل يوم فقد نصبت لك فلاناً القطان في دار القطن فهو يوصل كتبك، قال: فمضيت حتى أتيت الري فدخلت على مرّار فقال: أفلتّ؟ قلت: نعم والحمد لله، ثم أقبلت أؤنسه بالوقيعة في المنصور حتى أظهر ما كان المنصور ظن به، فكتبت إليه بذلك، فلما وصلت منه إلى ما أردت أتيت ضياعي ثم رجعت إليه بعد أيام، فقال: نجّاك الله من الفاجر؟ قلت: نعم، وأرجو أن تقع عينه عليّ أبداً، فكنت أعرّض به فيزيدني مما عنده، ثم قال لي: هل لك أن تخرج إلى متنزه طيب؟ قلت: نعم، فخرجت أنا وهو نتساير حتى صرنا إلى موضع مشرف قد بنيت له عليه قبة، فأحدّ النظر إلى ما هناك ثم قال: يا أبا بديل أترى الفاجر يظن أني أعطيه طاعة أبداً ما عشت؟ اشهد أني قد خلعته كما خلعت خفّي هذا من رجلي! قال: فرجعت إلى منزلي وأنا في كل يوم أكتب بخبره، قال: وقد كنت أعددت تسعة فرسان من بني يربوع ورجلاً من بني أسد فواطأتهم أن نبطش به وكتبت إلى المصمغان أن يأتيه في جنده إلى الموضع الذي اتفقنا عليه، قال: وأخذ المرّار الدواء في ذلك اليوم، وسبق إليه الأسدي بالخبر وقال: احذر فقد اتخذ لك كيت وكيت، قال: فدخلت عليه فإذا هو على كرسي، فعرفت الشر في وجهه والمنكر في نظره، فقال: هيه يا أبا بديل مع إكرامي لك أردت أن تقتلني؟ قال فتضاحكت وقلت: بلغ من مكره أن دس إليك هذا الأسدي، لقد علمت فيك حيلته! ثم حرّكه بطنه فقام إلى الخلاء وقال: لا ترم، فلما ولى وثبت وخرجت مسرعاً، فقال الحاجب: أسرعت. قلت: نعم في حاجة للأمير، وركبت فرسي فرأيت القوم قد وافوا كلهم إلا الأسدي، فعلمت أنه صاحبي، فلما خرج سأل عني فأخبر بمضييّ، فوجّه خيلاً في طلبي، فمال اليربوعيون فدفعهم، ومضيت حتى صرت إلى المصمغان وكتبت إلى أبي جعفر المنصور كتاباً مكشوفاً، فكتب: إني قد عرفت ما وصفته وقد صح الأمر، ثم كتب إلى خازم بن خزيمة فصار إليه حتى أخذه.