عليّ بن بريهة الهاشمي قال: قال صاحب عذاب أبي جعفر: دعاني أبو جعفر المنصور ذات يوم وإذا بين يديه جارية صفراء وقد دعا لها بأنواع العذاب وهو يقول لها: ويلك اصدقيني فوالله ما أريد إلا الألفة ولئن صدقتني لأصلن الرحم ولأتابعن البرّ إليه، وإذا هو يسائلها عن محمد بن عبد الله وهي تقول: ما أعرف مكانه، ودعا بالدَّهق وأمر به فوضع عليها فلما كادت نفسها أن تتلف قال: امسكوا عنها، وكره ما رأى وقال لأصحاب العذاب: ما دواء مثلها إذا صار إلى مثل حالها؟ قالوا: الطيب تشمه والماء البارد يصب على وجهها وتسقى السويق، فأمر لها بذلك وعالج بعضه بيده وقال لأصحاب العذاب: ألا أعلمتموني بما ينالها فأكف عنها؟ قالوا: قد علمنا أنها لا تقوى على هذا ولكنا هبناك، فما زالوا يردون عليها نفسها حتى أفاقت، وأعاد عليها المسألة فأبت إلا الجحود، فقال لها: أتعرفين فلانة الحجامة؟ فاسود وجهها وتغيرت، فقالت: نعم يا أمير المؤمنين تلك في بني سليم، قال: صدقت، هي والله أمتي ابتعتها بمالي ورزقي يجري عليها في كل شهر وكسوة شتائها وصيفها، أمرتها أن تدخل منازلكم وتحجمكم وتتعرف أخباركم، ثم قال: أوتعرفين فلاناً البقال؟ قالت: نعم هو في بني فلان، قال: هو والله مضاربي بخمسة دنانير أمرته أن يبتاع بها كل ما يحتاج إليه من البيوع فأخبرني أن أمةً لكم يوم كذا وكذا من شهر كذا صلاة المغرب جاءت تسأله حناء وورقاً، فقال لها: ما تصنيعن بهذا؟ فقالت: كان محمد بن عبد الله في بعض ضياعه بناحية البقيع وهو يدخل الليلة فأردنا هذا لتتخذ منه النساء ما يحتجن إليه عند دخول أزواجهن من المغيب، فأسقط في يدها وأذعنت بكل ما أراد.
قيل: وإن أبا جعفر كتب في حمل عبد الله بن الحسن وأهل بيته من المدينة إلى حضرته، فلما أُخرجوا كثر عليهم البكاء، فقال عبد الله: أفيقوا من البكاء وأوغلوا في الدعاء، فإني أشهد الله على ما أردت من إحياء الحق وإماتة الباطل، فجرى القدر بما جرى، فجدي الحسن والحسين قتلا بسم وسيف، فالحمد لله الذي جعل منايانا جهاداً ولم يجعلها مهاداً.
وأخبرنا إبراهيم بن السندي بن شاهك وكان من العلماء بأمر الدولة قال: قال لي المأمون: نُبئت أنك عالم بأمر الدولة ورجال الدعوة. قلت: ذلك الذي يلزمني يا أمير المؤمنين بعد الفرض أن أعرف أيام مواليّ ومحاسن ساداتي، قال: فهات ما عندك، ثم أنشأ يحادثني ويسائلني عن أمور خفية لم تخطر ببالي قط، فكان منها أن قال: ما اسم أم قحطبة بن شبيب؟ قلت: لا أعلم، قال: لبابة بنت سنان. ثم قال: ما اسم أبي عون؟ قلت: لا أدري، قال: فلان. فوالله ما زال يسائلني عن خفيّ أمر الدولة ولا يجد عندي جواباً ولا يزيدني على أن تبسم، فكلما فعل ذلك زاد في عينيّ وضعفت عند نفسي، قال فكان آخر ما قال: أخبرك أن بعض أهلنا ذات يوم رأت وهي حامل متمّ كأنه أتاها آتٍ في منامها فقال لها: يولد في هذه الليلة خليفة ويموت خليفة ويستخلف خليفة، فمات الهادي في تلك الليلة واستخلف الرشيد وولدت أنا.