وعن إبراهيم بن السندي بن شاهك قال: لما اختار يحيى بن أكثم العشرة من الفقهاء وأحضرهم مجلس المأمون لمذاكرة الفقه جعل له يوماً في الجمعة يحضرون مجلسه، فقال لي المأمون: يا إبراهيم احضر فلست بدون أكبرهم، فكنت أحضر، وكان قد اختار من أيام الجمعة يوم الثلاثاء، قال: فحضرت يوماً فلما أمسك المأمون عن المسائل نهض القوم، وكان ذلك إذنه بانصرافهم، فوثبت معهم، فقال بيده: مكانك يا إبراهيم، فقعدت وقام يحيى وساءه تخلفي، فقال لي ودخل إبراهيم بن المهدي: هات ذكر من في عسكرنا ممن يطلب ما عندنا بالرياء، فقلت ما عندي، وقال إبراهيم ما عنده، فقال: ما أرى عند أحد ما يبلغ إرادتي، ثم أنشأ يحدث عن أهل عسكره حتى والله لو كان قد أقام في رحل كل رجل حولاً لما زاد على معرفته، وقال: إنه كان مما حفظت عنه في ثلب أصحابه أنه قال: تسبيح حميد الطوسي وصلاة قحطبة وصيام النوشجاني ووضوء بشر المريسي وبناء مالك بن شاهك المساجد وبكاء إبراهيم بن بريهة على المنبر وجمَع الحسين بن قريش القيامي وقصص مرجّا وصدقة علي بن هشام وحملان إسحاق بن إبراهيم في سبيل الله وصلاة أبي رجاء الضحى، فقال لي رجل من عظماء العسكر حين خرجنا من الدار: هل رأيت أو سمعت قط أعلم برعيته وأشد تنقيراً من هذا؟ قلت: اللهم لا! فحدثت بهذا الحديث بعض أهل الخطر، فقال: وما تصنع بهذا وقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم في الفقهاء بمعايبهم رجلاً رجلاً حتى إنه أعلم بما في منازلهم منهم؟ قال: وحدثنا سليمان بن علي النوفلي قال: سمعت عمرو بن مسعدة يقول: قال لنا المأمون يوماً من الأيام: من أنبل من تعلمون نبلاً وأعفهم عفة؟ قال: فقلنا وأكثرنا، فبعضنا مدحه وقرظه وقدمه على كل خليفة وإمام وعدّدنا ما نعرف من مكارم الأخلاق، فقال: ما كمال المناقب إلا لبني هاشم غير أنّا لم نردها ولا أردنا خلفاءها، قال علي بن صالح: اعرف القصة في عمر بن الخطاب، رحمه الله، فأشاح بوجهه وأعرض وذكر كلاماً ليس من جنس هذا الكتاب فنذكره، ثم قال: ذاك والله أبو العباس عبد الله بن طاهر دخل مصر وهي كالعروس الكاملة فيها خراجها وبها أموالها جمّة ثم خرج عنها فلو شاء الله أن يخرج عنها بعشرة آلاف ألف دينار لفعل، ولقد كان لي عليه عين ترعاه، فكتب إليّ أنه عرضت عليه أموال لو عرضت عليّ أو بعضها لشرهت إليها نفسي، فما علمته خرج عن ذلك البلد إلا وهو بالصفة التي قدمه فيها إلا مائة ثوب وحمارين وأربعة أفراس، فمن رأى أو سمع بمثل هذا الفتى في الإسلام؟ فالحمد لله الذي جعله غرس يدي وخرّيج نعمتي.