للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَانْدفع مَا قيل: من أَنه إِن أُرِيد بِالْأَحْكَامِ جَمِيعهَا لم يُوجد الْفِقْه وَلَا الْفَقِيه، لِأَن الْحَوَادِث وَإِن كَانَت متناهية ضَرُورَة انْقِضَاء دَار التَّكْلِيف، لَكِنَّهَا لكثرتها وَعدم انقطاعها مَا دَامَت الدُّنْيَا غير دَاخِلَة تَحت ضبط الْمُجْتَهدين، وَإِن أُرِيد بَعْضهَا، فإمَّا بعض لَهُ نِسْبَة مُعينَة إِلَى الْكل كالنصف، فَيلْزم الْجَهَالَة بِجَهَالَة الْكل، وَإِمَّا مُطلق فَيلْزم كَون الْعَالم بِمَسْأَلَة فَقِيها، وَلَيْسَ كَذَلِك اصْطِلَاحا، وَجه الاندفاع أَن القطعية تدخل تَحت الضَّبْط فَيمكن الْإِحَاطَة بهَا (مَعَ ملكة الاستنباط) فَخرج التَّصْدِيق الَّذِي لَيْسَ مَعهَا، وَهِي كَيْفيَّة راسخة فِي النَّفس حَاصِلَة باستجماع المآخذ والأسباب والشروط الَّتِي يَكْفِي الْمُجْتَهد الرُّجُوع إِلَيْهَا فِي معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يقتدر بهَا على اسْتِخْرَاج كل مَسْأَلَة ترد عَلَيْهِ بعد التَّأَمُّل، فَلَا يخل قَول مَالك: لَا أَدْرِي فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ من أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة سُئِلَ عَنْهَا فِي اجْتِهَاده، وَلَا توقف أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي مسَائِل مَعْدُودَة، لجَوَاز أَن يكون لتعارض الْأَدِلَّة، أَو وجود الْمَانِع، اَوْ مُعَارضَة الْوَهم الْعقل، أَو مشاكلة الْحق الْبَاطِل، فَإِن الخلوص عَن هَذِه الْمَوَانِع خَارج عَن الطَّاقَة، فَلَا يشْتَرط (وَدخل نَحْو الْعلم بِوُجُود النِّيَّة) لما مر من عُمُوم الْأَعْمَال، فَإِن النِّيَّة من الْأَعْمَال القلية، وَالْمرَاد دُخُول الْجُزْء فِي الْكل إِن أَرَادَ الدُّخُول فِي الْمُعَرّف، أَو الجزئي فِي الْكُلِّي إِن أَرَادَ الدُّخُول فِي مَا يعم الْكل والجزء الْمَفْهُوم ضمنا أَي التَّصْدِيق لعمل الْمُكَلف بالحكم الشَّرْعِيّ، وَالْمرَاد بِنَحْوِهِ مَا كَانَ مَوْضُوعه فعل الْقلب ومحموله حكم شَرْعِي (وَقد يخص) الْفِقْه (بظنها) أَي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة للأعمال الْمَذْكُورَة، قيل الْمُخَصّص الإِمَام الرَّازِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْفِقْه مُسْتَفَاد من الْأَدِلَّة السمعية، وَهِي لَا تفِيد إِلَّا الظَّن

لتوقف إفادتها الْيَقِين على نفي الِاشْتِرَاك، وَالْمجَاز وَنَحْوه، ونفيها لَا يثبت إِلَّا بِأَن الأَصْل عدمهَا، وَهَذَا دَلِيل ظَنِّي، وَجَوَابه منع الْحصْر (وعَلى مَا قُلْنَا) من أَنه التَّصْدِيق للأعمال بِالْأَحْكَامِ القطعية (لَيْسَ هُوَ) أَي الظَّن (شَيْئا من الْفِقْه) أَي جُزْءا من أَجْزَائِهِ، فضلا عَن أَن يكون عينه، وَذَلِكَ لِأَن التَّصْدِيق الْمُتَعَلّق بِالْأَحْكَامِ القطعية لَا يكون إِلَّا قَطْعِيا (وَلَا الْأَحْكَام المظنونة) أَي وَلَا الْأَحْكَام المظنونة شَيْئا من أَحْكَامه ومحمولاته، عطف على ضمير لَيْسَ، وَلِهَذَا أكد بالمنفصل وَلَا، بِإِعَادَة النَّفْي (إِلَّا بإصطلاح) اسْتثِْنَاء مُنْقَطع: أَي لكنه مِنْهُ إِن وَقع الِاصْطِلَاح على وضع اسْم الْفِقْه لما يصدق على الظَّن فَقَط، أَو لما يعمه وَغَيره، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، لَكِن الْأَلْيَق بِالِاعْتِبَارِ مَا ذَكرْنَاهُ لما مر (ثمَّ على هَذَا التَّقْدِير) أَي على تَقْدِير تَخْصِيصه بِالظَّنِّ (يخرج) مِنْهُ (مَا علم من الْمسَائِل بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّة) بطرِيق البداهة الْحَاصِلَة من الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْمَشْهُور الَّذِي عرفت الْعَامَّة حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان فِي دين الْإِسْلَام كَونه مِنْهُ بِإِخْبَار الْمخبر الصَّادِق كوجوب الصَّلَوَات الْخمس وَصَوْم رَمَضَان، لِأَن التَّصْدِيق بهَا يقيني، وَكَذَا يخرج على تَفْسِيره

<<  <  ج: ص:  >  >>