وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مَا تقدم لَا يُفِيد إِلَّا أصل الْوُجُوب، لَا كَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَالنَّظَر يقتضى) أَن يُقَال (إِذا توقف وجوب الْعَمَل على الْبَحْث توقف اعْتِقَاده) أَي الْعُمُوم على الْبَحْث، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُطَالب بِالْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، كَذَلِك لَا يُطَالب بالاعتقاد لما لَيْسَ بِمَعْلُوم، إِذْ كل مِنْهُمَا تَكْلِيف بِمَا لَيْسَ فِي الوسع، وَزعم الشَّارِح أَن ظَاهر كَلَام مَشَايِخنَا يُوَافق مَا حمل عَلَيْهِ كَلَام الصَّيْرَفِي، وَالْوَجْه مَا ذكر المُصَنّف فَيجب حمل كَلَامهم عَلَيْهِ (وَقَول مُحَمَّد) رَحمَه الله فِي الزِّيَادَات (فِيمَن أوصى بِخَاتم لإِنْسَان ثمَّ) أوصى مَفْصُولًا (بفصه لآخران الفص بَينهمَا) وَالْحَلقَة للْأولِ خَاصَّة (من بَاب الْخَاص لَا الْعَام) لِأَن الْمُعْتَبر إِمَّا لخاتمي أَو هَذَا الْخَاتم أَو تَجْوِيز الفص مِنْهُ كجزء من الْإِنْسَان، فَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان لَا يكون عَاما بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ، فَكَذَا الْخَاتم (غير أَنه) أَي الْخَاتم (نَظِير) للعام فِي أَنه يَشْمَل الفص كشمول الْعَام مَا يتَنَاوَلهُ فَأطلق عَلَيْهِ توسعا (وَخَالفهُ) أَي مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُف) رحمهمَا الله (فَجعله) أَي الفص (للثَّانِي) كَمَا فِي الْهِدَايَة والإيضاح والمنظومة وغالب شُرُوح الزِّيَادَات وَظَاهر التَّقْوِيم وأصول فَخر الْإِسْلَام: أَن قَول مُحَمَّد قَول الْكل فَيحمل على أَن لأبي يُوسُف فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحلقَة للْأولِ والفص للثَّانِي إِذا كَانَ مَوْصُولا، وَجه مَا عَن أبي يُوسُف أَن الْوَصِيّ لَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَيَاة، وَالْكَلَام الثَّانِي بَيَان المُرَاد من الأول، فالموصول والمفصول فِيهِ سَوَاء كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ لإِنْسَان والخدمة أَو الْغلَّة لآخر، وَوجه الظَّاهِر أَن اسْم الْخَاتم يتناولهما مَعًا لِأَنَّهُ مركب مِنْهُمَا، فَالْكَلَام الثَّانِي تَخْصِيص: وَهُوَ إِنَّمَا يَصح مَوْصُولا، وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا لَا يُعَارض الأول، وهما سيان فِي إِيجَاب الحكم فثبتت الْمُسَاوَاة بَينهمَا، وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعا عَن الأول، لِأَن اللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ فَصَارَ كَمَا لَو أوصى بِمعين لإِنْسَان، ثمَّ أوصى بِهِ لآخر
الْبَحْث الْخَامِس
(يرد على الْعَام التَّخْصِيص، فَأكْثر الْحَنَفِيَّة) عِنْدهم التَّخْصِيص (بَيَان أَنه) أَي الْعَام (أُرِيد بعضه بمستقل) وَهُوَ مَا كَانَ مُبْتَدأ بِنَفسِهِ غير مُتَعَلق بصدر الْكَلَام، احْتَرز بِهِ عَن نَحْو الِاسْتِثْنَاء وَالصّفة (مُقَارن: أَي مَوْصُول) بِالْعَام: أَي مَذْكُور عقبه، فسره بِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْمَعِيَّة من الْمُقَارنَة فَإِن قلت هَذَا غير مُتَصَوّر قُلْنَا يتَصَوَّر فِي فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قَوْله، وَإِنَّمَا اشْترط الْمُقَارنَة (فِي) الْمُخَصّص (الأول، فَإِن تراخي) الْبَيَان الْمَذْكُور عَن الْعَام (فناسخ لَا) فِي الْمُخَصّص (الثَّانِي) وَمَا بعده (وَالْوَجْه أَن الثَّانِي) إِذا ترَاخى فَهُوَ (نَاسخ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute