الآلتين اقْتَضَت ثُبُوت مَا ثَبت بِالْمَاءِ فِي الصَّعِيد، كَذَلِك إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ اقْتَضَت أَن يرتب على التيميم مَا كَانَ يَتَرَتَّب على الْوضُوء من الطَّهَارَة الْحكمِيَّة إِلَى وجود الناقض بِمُقْتَضى الخلفية فَمَا الْفرق بَين الاعتبارين، وَالْجَوَاب أَنَّهَا إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ ثَبت ضَرُورَة الْحَاجة إِلَى إِسْقَاط الْفَرْض عَن الذِّمَّة مَعَ قيام الْحَدث كطهارة الْمُسْتَحَاضَة، وَيلْزمهُ عدم جَوَاز تَقْدِيمه على الْوَقْت وَعدم جَوَاز مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل بِخِلَاف مَا إِذا اعْتبرت بَين الآلتين، فَإِنَّهَا تثبت حِينَئِذٍ مُطلقَة يرْتَفع بِهِ الْحَدث وَيلْزمهُ جَوَاز مَا ذكر فَإِن قلت مَا السرّ فِي ثُبُوتهَا على وَجه الضَّرُورَة إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ دون الآلتين مَعَ اشْتِرَاك مَا يَقْتَضِي اعْتِبَار الضَّرُورَة، وَهُوَ قَوْله - {فَلم تَجدوا مَاء} - فِي الْوَجْهَيْنِ (قلت الضَّرُورَة الَّتِي اقتضاها القَوْل الْمَذْكُور اعتبرناها فيهمَا والضرورة الَّتِي هِيَ مَحل النزاع لَا يقتضيها القَوْل الْمَذْكُور، بل يقتضيها خُصُوصِيَّة الأَصْل وَاعْتِبَار الخلفية بَين الْفِعْلَيْنِ، بَيَان ذَلِك أَن التُّرَاب فِي حدّ ذَاته مغبر مَحْض لَا يحصل حِكْمَة الْأَمر بالتطهير وَهُوَ تَحْسِين الْأَعْضَاء فاللائق بِشَأْنِهِ أَن يكون الْحَاصِل بِهِ مجرّد إِبَاحَة الصَّلَاة كطهارة من بهَا الِاسْتِحَاضَة غير أَن للشارع ولَايَة أَن يَجْعَل طَهَارَته كَامِلَة مثل المَاء على خلاف قِيَاس الْعقل، فالشأن فِي معرفَة اعْتِبَار الشَّارِع، وَذَلِكَ بِقَرِينَة اعْتِبَار الخلفية، فَإِن اعتبرها بَين المَاء وَالتُّرَاب كَانَ ذَلِك عَلامَة إِعْطَائِهِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة لكَون أَصله مَعْرُوفا بالطهورية شرعا وعقلا، وَأَن اعتبرها بَين الْفِعْلَيْنِ كَانَ ذَلِك قرينَة إِعْطَائِهِ إِيَّاه مجرّد الْإِبَاحَة للصَّلَاة لعدم مَا هُوَ صَارف عَن اعْتِبَار مَا يَلِيق بِشَأْنِهِ من كَون الأَصْل مَعْرُوفا بِمَا ذكر حِينَئِذٍ (وَلَا بدّ فِي تَحْقِيق الخلفية من عدم الأَصْل) حَال انْتِقَال الحكم عَن الأَصْل إِلَى الْخلف إِذْ لَا معنى إِلَى الْمصير إِلَى الْخلف مَعَ وجود الأَصْل (و) من (إِمْكَانه) أَي الأَصْل لينعقد السَّبَب، ثمَّ بِالْعَجزِ عَنهُ يتحوّل الحكم عَنهُ إِلَى الْخلف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الأَصْل مُمكنا لأمر مَا (فَلَا أصل) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْأَمر بِالْأَصَالَةِ لغيره، وَإِذ لَا أصل لَهُ (فَلَا خلف) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْغَيْر بالخلفية عَنهُ، وَمن هُنَا لزم التَّكْفِير من حلف ليمسنّ السَّمَاء لِأَنَّهَا انْعَقَدت مُوجبَة للبرّ لَا مَكَان مسّ السَّمَاء فِي الْجُمْلَة، لِأَن الْمَلَائِكَة يصعدون إِلَيْهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد إِلَيْهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج إِلَّا أَنه مَعْدُوم عرفا وَعَادَة، فانتقل الحكم مِنْهُ إِلَى الْخلف الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَة، وَلم يلْزم من حلف على نفي مَا كَانَ، أَو ثُبُوت مَا لم يكن فِي الْمَاضِي لعدم إِمْكَان الأَصْل.
الْفَصْل الثَّالِث
فِي (الْمَحْكُوم فِيهِ) الْمَحْكُوم فِيهِ مُبْتَدأ وَقَوله (وَهُوَ) أَي الْمَحْكُوم فِيهِ (أقرب من الْمَحْكُوم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute