فصل فِي التَّعَارُض
(وغالبه) أَي التَّعَارُض (فِي) أَخْبَار (الْآحَاد) فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى وَجه ذكره بعْدهَا، و (هُوَ) أَي التَّعَارُض لُغَة (التمانع) بطرِيق التقابل، تَقول عرض لي كَذَا إِذا استقبلك بِمَا يمنعك مِمَّا قصدته، وَسمي السَّحَاب عارضا لمَنعه شُعَاع الشَّمْس وحرارتها (وَفِي الِاصْطِلَاح اقْتِضَاء كل من الدَّلِيلَيْنِ عدم مُقْتَضى الآخر، فعلى مَا قيل) وَالْقَائِل غير وَاحِد من الْمَشَايِخ كفخر الْإِسْلَام (لَا يتَحَقَّق) التَّعَارُض (إِلَّا مَعَ الوحدات) الثمان، وحدة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه، وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَالْإِضَافَة وَالْقُوَّة، وَالْفِعْل وَالْكل والجزء، وَالشّرط، قيل ووحدة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، ومرجع الْكل إِلَى وحدة النِّسْبَة كَمَا عرف فِي الْمنطق، فالتعارض (لَا يتَحَقَّق فِي) الْأَدِلَّة (الشَّرْعِيَّة للتناقض) أَي لِأَنَّهُ يسْتَلْزم التَّنَاقُض، والشارع منزه عَنهُ لكَونه أَمارَة الْعَجز، وَقد يُقَال لَا نسلم أَن عدم تحقق التَّعَارُض بِدُونِ تحقق الوحدات فِي نفس الْأَمر يسْتَلْزم عدم تحَققه فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يلْزم لَو اعْتبر فِيمَا صدق عَلَيْهِ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ كَونه فِي نفس الْأَمر من الله سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك: إِذْ كل مَا ثَبت عِنْد الْمُجْتَهد إفادته لحكم شَرْعِي فَهُوَ دَلِيل شَرْعِي، غَايَة الْأَمر أَنه إِذا تَيَقّن تحقق الوحدات بَين دَلِيلين علم أَن أَحدهمَا لَيْسَ مِنْهُ تَعَالَى فَإِن قلت مُرَاده نفي التَّعَارُض بَين الْأَدِلَّة الَّتِي أَقَامَهَا الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر، قلت هَذَا مُسلم لكنه قَلِيل الجدوى لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَلَا سَبِيل لنا إِلَى معرفَة خصوصياتها، نعم يقطع بِكَوْن ذَات الدَّلِيل مِنْهُ تَعَالَى كالكتاب، لَكِن كَون هَذَا الْخُصُوص دَلِيلا لخُصُوص هَذَا الحكم بِشَيْء آخر وَالْقطع بِهِ نَادِر وَلَا يسْتَشْكل على قَوْلهم (وَمَتى تَعَارضا) أَي الدليلان (فيرجح) أَحدهمَا (أَو يجمع) بَينهمَا أَو (مَعْنَاهُ) تَعَارضا (ظَاهرا) وَذَلِكَ (لجهلنا) بالمراد أَو بالمتقدم مِنْهُمَا (لَا) أَنَّهُمَا تَعَارضا (فِي نفس الْأَمر، وَهُوَ) أَي كَون المُرَاد بِهِ وَهَذَا هُوَ (الْحق فَلَا يعْتَبر) تحقق الوحدات الْمَذْكُورَة فِيهِ بِحَسب نفس الْأَمر بل بِحَسب مَا يفهمهُ ظَاهرا الْعقل، لِأَن المبوب لَهُ صُورَة الْمُعَارضَة لَا حَقِيقَتهَا (وَلَا يشْتَرط تساويهما) أَي الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين (قُوَّة وَيثبت) التَّعَارُض (فِي) دَلِيلين (قطعيين وَيلْزمهُ) أَي التَّعَارُض فِي قطعيين (محملان) لَهما إِذا لم يعلم تقدم أَحدهمَا على الآخر (أَو نسخ أَحدهمَا) بِالْآخرِ إِن علم ذَلِك (فَمَنعه) أَي التَّعَارُض (بَينهمَا) أَي القطعيين (وإجازته فِي الظنيين) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَعلله الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ بِأَنَّهُ يلْزم الْجمع بَين النقيضين إِن عمل بهما أَو لم يعْمل بِشَيْء مِنْهُمَا أَو التحكم إِن عمل بِأَحَدِهِمَا دون الآخر، ثمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute