للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِينَئِذٍ كَون الْمُقدم نَاسِخا للْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة ثمَّ نسخ هَذَا النَّاسِخ، وَلما كَانَ رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيْسَ بنسخ فِي التَّحْقِيق فسر النّسخ بقوله (أَي الرّفْع أَو) النّسخ مَحْمُولا (على حَقِيقَته بِنَاء على مَا سلف عَن الطَّائِفَة) من الْحَنَفِيَّة الْقَائِلين بِأَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة نسخ (فَلَا يجب الْوَقْف) عَن الْعَمَل بِأحد النصين (غير أَنه) أَي الْمُخَالف لما هُوَ الأَصْل (مُرَجّح) على الْبناء للْمَفْعُول (لَا نَاسخ) على القَوْل الْمُخْتَار.

الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع

(الْإِجْمَاع الْعَزْم والاتفاق لُغَة) على كَذَا، يَعْنِي تَارَة يُرَاد بِهِ الْعَزْم فَيُقَال فلَان أجمع على كَذَا إِذا عزم عَلَيْهِ، وَتارَة يُرَاد بِهِ الِاتِّفَاق فَيُقَال أجمع الْقَوْم على كَذَا: أَي اتَّفقُوا، وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الاصطلاحي أنسب. وَعَن الْغَزالِيّ أَنه مُشْتَرك لَفْظِي، وَقيل أَن الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لَهُ الْعَزْم، والاتفاق لَازم ضَرُورِيّ إِذا وَقع من جمَاعَة. (وَاصْطِلَاحا اتِّفَاق مجتهدي عصر من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَمر شَرْعِي) إِضَافَة مجتهدي عصر استغراقية فتفيد اتِّفَاق جَمِيعهم كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور، فَلَا يصدق التَّعْرِيف على قَول مُجْتَهد مُنْفَرد فِي عصره بِأَمْر شَرْعِي، وَعلم بذلك أَن لَا عِبْرَة بمخالفة غير الْمُجْتَهد: كَمَا لَا عِبْرَة بِاتِّفَاق غير الْمُجْتَهدين. قيل عدم اعْتِبَار الْعَاميّ فِي الْإِجْمَاع بالِاتِّفَاقِ، وَقيل القَاضِي أَبُو بكر يعْتَبر اتفاقه، وَالْمرَاد الْإِجْمَاع الْخَاص الَّذِي هُوَ أحد أَدِلَّة الْأَحْكَام، وَقد يُطلق الْإِجْمَاع وَيُرَاد بِهِ مَا يعم الْكل كالإجماع على أُمَّهَات الشَّرَائِع كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَتَحْرِيم الرِّبَا وَهُوَ خَارج المبحث، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر قَول الْعَاميّ لِأَنَّهُ بِغَيْر دَلِيل فَلَا يعْتد بِهِ مَعَ أَنه لَو اعْتبر قَول الْعَوام لَا يتَحَقَّق الْإِجْمَاع لعدم إِمْكَان ضبطهم لانتشارهم شرقا وغربا، وَأما من حصل علما مُعْتَبرا من فقه أَو أصُول فَمنهمْ من اعْتبر اتفاقه أَيْضا، وَالْجُمْهُور على عدم اعْتِبَاره، ويفيد التَّعْرِيف اخْتِصَاص الْإِجْمَاع بِالْمُسْلِمين لِأَن الْإِسْلَام شَرط لاجتهادهم فَيخرج من يكفر ببدعته، وَبِقَوْلِهِ عصر أَي زمن طَال أَو قصر انْدفع توهم اعْتِبَار جَمِيع الْأَعْصَار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَبِقَوْلِهِ أمة مُحَمَّد خرج إِجْمَاع الْأُمَم السالفة، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحجَّة كَمَا نَقله فِي اللمع عَن الْأَكْثَرين خلافًا للاسفرايني فِي جمَاعَة أَن إِجْمَاعهم قبل نسخ مللهم حجَّة، وَالْمرَاد بِالْأَمر الشَّرْعِيّ مَا لَا يدْرك لَوْلَا خطاب الشَّارِع سَوَاء كَانَ قولا أَو فعلا أَو اعتقادا أَو تقريرا، وَسَيَأْتِي أَنه حجَّة فِي بعض العقليات، خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي غير زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد فِي زَمَانه كَمَا ذكره الْأَكْثَرُونَ لِأَن قَوْلهم لَا يَصح دونه وَإِن كَانَ مَعَهم فالحجة

<<  <  ج: ص:  >  >>