للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَعَلَّ وَجه التَّأَمُّل أَن السَّرَايَة وَإِن تَأَخَّرت عَن الْغسْل الْمَذْكُور، لَكِن سَبَب السَّرَايَة سبقه، (و) من هَذَا الْقسم (السّلم) وَهُوَ بيع آجل بعاجل (سقط اشْتِرَاط ملك الْمَبِيع) فِيهِ مَعَ اشْتِرَاطه فِيمَا عداهُ من الْبياعَات إِجْمَاعًا. وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " وَلَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك ". وَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين، فَقَالَ: " من أسلف فِي تمر فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم " تيسيرا وتخفيفا لِأَنَّهُ بيع المفاليس، فَكَانَ رخصَة مجَازًا لَا حَقِيقَة، لِأَن السَّبَب الْمحرم قد انْعَدم فِي حَقه شرعا (فَلَو لم يبع سلما وَتلف جوعا أَثم) لإلقائه بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة من غير ملجئ (وَاكْتفى) فِي صِحَة السّلم (بِالْعَجزِ التقديري عَن الْمَبِيع) بِأَن يكون الْمُسلم فِيهِ فِي ملكه وَلكنه مُسْتَحقّ الصّرْف إِلَى حَاجته، وَدَلِيل الْحَاجة إقدامه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يرضى بأرخص الثمنين إِلَّا لحَاجَة (فَلم يشْتَرط عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي لم يشْتَرط الْعَجز الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ أَن لَا يكون فِي ملكه حَقِيقَة (وَاقْتصر الشَّافِعِيَّة) فِي تَفْسِير الرُّخْصَة (على أَن مَا شرع من الْأَحْكَام لعذر مَعَ قيام الْمحرم لَوْلَا الْعذر رخصَة) أَي اكتفوا فِي تحقق حَقِيقَة الرُّخْصَة مُطلقًا بِمُجَرَّد وجود الْعذر الذى لولاه لتحَقّق قيام الْمحرم، فَلم يشترطوا قيام الْمحرم بِالْفِعْلِ فِي شَيْء من أَقسَام الرُّخْصَة وَقَالُوا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الحكم الْمَشْرُوع على الْوَجْه الْمَذْكُور (فعزيمة، وَمُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا الِاقْتِصَار (انْتِفَاء التَّعَلُّق) أَي تعلق التَّحْرِيم (بقائم الْعذر) أَي بِالْفِعْلِ الَّذِي قَامَ عذره، لأَنهم اكتفوا بِمُجَرَّد كَونه بِحَيْثُ لَوْلَا عذره لَكَانَ حَرَامًا يَقْتَضِي القوانين الشَّرْعِيَّة، وَكَلمه لَوْلَا تدل على عدم الْحُرْمَة مَعَ وجود الْعذر (وَيَقْتَضِي) انْتِفَاء تعلق التَّحْرِيم بِمحل الرُّخْصَة (امْتنَاع صَبر الْمُكْره على الْكَلِمَة) أَي على إِجْرَاء كلمة الْكفْر على لِسَانه بِالْقَتْلِ أَو قطع الْعُضْو حَتَّى الْقَتْل أَو الْقطع بِأَن يمْتَنع عَن إجرائها حَتَّى يقتل أَو يقطع، فَقَوله حَتَّى غَايَة للصبر: وَذَلِكَ (لحُرْمَة) الْقطع بِهِ و (قتل النَّفس) أَي الرِّضَا بقتلها والتسبب لَهُ (بِلَا مُبِيح) إِذْ الْمَفْرُوض عدم تعلق الْحُرْمَة بإجرائها بِنَاء على اقتصارهم. وَفِي الشَّرْح العضدي دَلِيل الْحُرْمَة إِذا بَقِي مَعْمُولا بِهِ، وَكَانَ التَّخَلُّف عَنهُ لمَانع طَارِئ فِي حق الْمُكَلف لولاه لثبتت الْحُرْمَة فِي حَقه فَهُوَ الرُّخْصَة انْتهى. واستنبط الْأَبْهَرِيّ من هَذَا أَنه إِن لم يبْق مُكَلّفا عِنْد طرد الْعذر لَا رخصَة فِي حَقه، لِأَنَّهَا من الْأَحْكَام الَّتِي شَرط فِيهَا التَّكْلِيف: فَعدم تَحْرِيم مثل إِجْرَاء الْمُكْره كلمة الشّرك على لِسَانه، وإفطاره فِي رَمَضَان، وإتلافه مَال الْغَيْر لَيْسَ رخصَة، لِأَن الْإِكْرَاه الملجئ يمْنَع التَّكْلِيف.

(تَتِمَّة)

لهَذَا الْفَصْل (الصِّحَّة ترَتّب الْمَقْصُود من الْفِعْل عَلَيْهِ) أَي على الْفِعْل (فَفِي الْمُعَامَلَات)

<<  <  ج: ص:  >  >>