للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النقيض الآخر، وَأما عِنْد زَوَال الِاعْتِقَاد عَن أحد النقيضين فَلَا يمْتَنع أَن يعْتَقد النقيض الآخر (وَهُوَ) أَي الْإِسْلَام مُطلقًا لَا مُقَيّدا بِمَا ذكر (مَقْدُور) للمكلف بِهِ (لَا يزِيل الشغب) وَهُوَ تهييج الشَّرّ فِي الأَصْل، وَالْمرَاد أَن الْجَواب بِمَا ذكر من الْأَمريْنِ لَا يزِيل الْخُصُومَة بَين الْفَرِيقَيْنِ (إِذْ يُقَال التَّكْلِيف) لمجتهدي الْكفَّار (بِالِاجْتِهَادِ لاستعلام ذَلِك) أَي طلب الْعلم بِمَا يُؤمن بِهِ بِأَن يُؤَدِّي اجْتِهَاده إِلَيْهِ (فَإِذا لم يؤد) الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوب (لَو لزم) على الْمُجْتَهد الَّذِي لم يؤد اجْتِهَاده إِلَيْهِ بل إِلَى نقيضه (كَانَ) ذَلِك اللَّازِم الْمُكَلف بِهِ تكليفا (بِمَا لَا يُطَاق) فَلَا وَجه حِينَئِذٍ لِأَن يُقَال حِينَئِذٍ: لَا نسلم أَن نقيض اعْتِقَادهم غير مَقْدُور، إِذْ ذَاك الْمُمْتَنع عَادَة، لِأَن من اجْتهد وَآل اجْتِهَاده إِلَى الْكفْر وَلم يظْهر لَهُ سواهُ فَهُوَ عَاجز عَن الْإِيمَان كمن هُوَ عَاجز عَن الطيران، أَو يُقَال الِامْتِنَاع بِشَرْط الْوَصْف، فَإِن الْوَصْف إِذا كَانَ لَازِما للموضوع يَسْتَحِيل أَن يُفَارق، فَكيف يطْلب من موصوفه الاتصاف بِخِلَافِهِ؟

[مسئلة]

قَالَ (الجبائي) رَئِيس الْمُعْتَزلَة (وَنسب إِلَى الْمُعْتَزلَة) كلهم مقول القَوْل، ونائب الْفَاعِل فِي نسب على سَبِيل التَّنَازُع قَوْله (لَا حكم فِي المسئلة الاجتهادية) أَي الَّتِي لَا قَاطع فِيهَا من نَص أَو إِجْمَاع (قبل الِاجْتِهَاد سوى إِيجَابه) أَي الِاجْتِهَاد فِيهَا (بِشَرْطِهِ) أَي الْإِيجَاب إِمَّا عينا بِأَن خَافَ فَوت الْحَادِثَة الَّتِي استفتى فِيهَا على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ لَو لم يكن ثمَّ غَيره من الْمُجْتَهدين، أَو الَّتِي نزلت بِهِ، أَو كِفَايَة لَو لم يخف، وَثمّ غَيره على مَا مر (فَمَا أدّى) الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ) من الظَّن الْحَاصِل بِهِ (تعلق) الحكم الشَّرْعِيّ بِتِلْكَ المسئلة ويتحقق حِينَئِذٍ (وَلَا يمْتَنع تبعيته) أَي الحكم (للِاجْتِهَاد لحدوثه) أَي الحكم (عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَقد ينْسب ذَلِك إِلَى الْأَشْعَرِيّ بِمَعْنى أَنه لم يتَعَلَّق الحكم بالمسئلة قبل الِاجْتِهَاد، وَإِلَّا فَالْحكم قديم عِنْده انْتهى. (و) قَالَ (الباقلاني وَطَائِفَة) من الْأُصُولِيِّينَ (الثَّابِت قبله) أَي الِاجْتِهَاد (تعلق مَا يتَعَيَّن بِهِ) أَي أَن حكم الله تَعَالَى تعلق إِجْمَالا بِمَا سيتعين بِالِاجْتِهَادِ: كَأَنَّهُ قَالَ لَو أوجبت عَلَيْك الْعَمَل بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد (وَإِذ علمه) تَعَالَى (مُحِيط بِمَا سيتعين) بعد الِاجْتِهَاد من الحكم (أمكن كَون الثَّابِت) فِي نفس الْأَمر وَفِي علم الله تَعَالَى (تعلق) حكم (معِين فِي حق كل) من الْمُجْتَهدين (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمعِين (مَا علم) الْمُحِيط بِمَا سيتعين (أَنه يَقع) ويستقر (عَلَيْهِ اجْتِهَاده) غَايَة الْأَمر أَن علم الْمُجْتَهد بالتعين إِنَّمَا يحصل بعد الِاجْتِهَاد، وَلَا يُقَال هَذَا تَكْلِيف بِالْمَجْهُولِ، وَهُوَ لَيْسَ فِي وَسعه. لِأَنَّهُ إِنَّمَا يلْزم التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق إِلَى الْعلم بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>