للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقد سلمتم مَا هُوَ مطلوبهم، وَهُوَ نفي الْوُقُوع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَن الظَّاهِر إرادتهم) أَي النافين (نَفْيه) أَي جَوَاز النّسخ بِلَا بدل (سمعا). وَحَاصِله نفي الْوُقُوع (لَا عقلا) وَإِنَّمَا عرفنَا ذَلِك (باستدلالهم) بِالْآيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تكون على نفي الْوُقُوع وَمَا ثمَّة تَصْرِيح مِنْهُم بِأَن مُرَادهم نفي الْجَوَاز وَالله أعلم.

[مسئلة]

وَاتَّفَقُوا على جَوَاز النّسخ بالأخف والمساوى كالمباشرة والتوجه إِلَى الْكَعْبَة، وَهل يجوز بالأثقل. قَالَ (الْجُمْهُور يجوز بأثقل، ونفاه) أَي الْجَوَاز بِهِ (شذوذ) بَعضهم عقلا، وَبَعْضهمْ سمعا (لنا أَن اعْتبرت الْمصَالح) فِي التَّكْلِيف (وجوبا) كَمَا هُوَ رَأْي الْمُعْتَزلَة (أَو تفضلا) كَمَا هُوَ رَأْي غَيرهم (فلعلها) أَي الْمصلحَة للمكلف (فِيهِ) أَي فِي النّسخ بأثقل كَمَا يَنْقُلهُ من الصِّحَّة إِلَى السقم، وَمن الشَّبَاب إِلَى الْهَرم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِيهِ كَمَا يُومِئ إِلَيْهِ - يحكم مَا يَشَاء - وَيفْعل مَا يُرِيد. (فأظهر) أَي فالجواز أظهر (وَيلْزم) من عدم جَوَاز الأثقل لكَونه أثقل (نفي ابْتِدَاء التَّكْلِيف) فَإِنَّهُ نقل من سَعَة الْإِبَاحَة إِلَى مشقة التَّكْلِيف. قَالَ القَاضِي وَلَا جَوَاب لَهُم عَن ذَلِك (وَوَقع) النّسخ بِالْأَكْثَرِ (بِتَعْيِين الصَّوْم) أَي صَوْم رَمَضَان (بعد التَّخْيِير بَينه) أَي الصَّوْم (وَبَين الْفِدْيَة) عَن كل يَوْم بإطعام مِسْكين نصف صَاع بر أَو صَاع تمر أَو شعير عندنَا، ومدبر أَو غَيره من قوت الْبَلَد عِنْد الشَّافِعِيَّة، أَو مُدبر أَو مدى تمر أَو شعير عِنْد أَحْمد، فَإِن التَّعْيِين أثقل من التَّخْيِير. عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع لما نزلت - {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} - كَانَ من أَرَادَ أَن يفْطر يفتدي حَتَّى نزلت الْآيَة بعْدهَا، فنسختها. وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ نزل رَمَضَان، فشق عَلَيْهِم، من أطْعم كل يَوْم مِسْكينا ترك الصّيام مِمَّن يطيقُونَهُ، وَرخّص لَهُم ذَلِك، فنسختها - {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} - فَأمروا بالصيام لَكِن يعارضها مَا فِي الصَّحِيح أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس لَيست مَنْسُوخَة، وَهِي للشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما، فيطعمان مَكَان كل يَوْم مِسْكينا. هَذَا، وَاخْتَارَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة مَا عَن ابْن عَبَّاس، لِأَن مثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ لكَونه مُخَالفا لظَاهِر الْقُرْآن، وَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير حرف النَّفْي كَمَا فِي تالله تفتؤ - {يبين الله لكم أَن تضلوا} - فَهُوَ فِي حكم الْمَرْفُوع، ولكونه أفقه، وَفِي قِرَاءَة حَفْصَة - {وعَلى الَّذين لَا يطيقُونَهُ} - (وَالْوَجْه أَنه) قَالَ الشَّارِح: أَي الْوُجُوب الَّذِي هُوَ الحكم الأول، وَالْوَجْه أَن تعْيين الصَّوْم بعد التَّخْيِير كَمَا لَا يخفى (لَيْسَ بنسخ أصلا) قَالَ الشَّارِح أَي بمنسوخ بِنَاء على التَّفْسِير الأول (على وزان مَا تقدم فِي فدَاء إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام)

<<  <  ج: ص:  >  >>