الْمَعْنى: وَمِنْهَا أَن لَا يكون مِمَّا يندرئ بِالشُّبْهَةِ، غير أَن الْخصم يناقش فِي الثَّانِي (وانتهاض أثر عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ مَا ذكر من إِلْحَاقه الشّرْب بِالْقَذْفِ فِي إِثْبَات حَده (عَلَيْهِم) أَي الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكر المجيزون (مَوْقُوف على إِجْمَاع الصَّحَابَة على صِحَة طَرِيقه) الَّذِي هُوَ الْقيَاس على الْقَذْف. (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة فِي قصَّته الْإِجْمَاع الْمَذْكُور إِجْمَاعهم لَيْسَ على طَرِيقه، بل (إِنَّه) أَي إِجْمَاعهم (على حكمه) الَّذِي هُوَ وجوب جلد ثَمَانِينَ (باجتماع دلالات سمعية عَلَيْهِ) أَي على حكمه (كَمَا ذَكرنَاهَا فِي الْفِقْه) فِي حد الشّرْب من شرح الْهِدَايَة. وَفِي أصُول الْفِقْه للْإِمَام أبي بكر الرَّازِيّ أَن اتِّفَاق الصَّحَابَة على إِثْبَات حد الْخمر قِيَاسا إبِْطَال لأصلكم فِي عدم إِثْبَات الْحُدُود قِيَاسا. وَالْجَوَاب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب فِي حد الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وروى أَنه ضربه أَرْبَعُونَ رجلا كل رجل بنعله ضربتين، فتحروا فِي اجتهادهم مُوَافَقَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجعلوه ثَمَانِينَ ونقلوا الضَّرْب عَن الجريد وَالنعال إِلَى السَّوْط وَلم يبتدئوا إِيجَاب الْحَد بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْمَمْنُوع. ثمَّ أَن الْكَفَّارَات فِي هَذَا كالحدود، بل قيل أَن المُرَاد بهَا مَا يَتَنَاوَلهَا.
[مسئلة]
(تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط) للْحكم الشَّرْعِيّ (ليحكم فِي محاله) أَي محَال تحقق المناط (بِحكمِهِ) أَي حكم المناط، وَالْبَاء صلَة الحكم: يَعْنِي كَون الْمُجْتَهد مُكَلّفا فِي حكم شَرْعِي بِأَن يبْذل جهده فِي تَحْصِيل علته شرعا لِأَن يحكم بِثُبُوت ذَلِك الحكم فِي كل مَادَّة تحققت تِلْكَ الْعلَّة فِيهَا (جَائِز) خبر لقَوْله تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (عقلا) إِذْ لَا يَتَرَتَّب على فرض وُقُوعه مَحْذُور. (وَقَوْلهمْ) أَي الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيف (بِالْقِيَاسِ لَا يَصح) بِنَاء (على أَنه) أَي الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ (الْمُسَاوَاة) بَين الْفَرْع وَالْأَصْل فِي عِلّة حكمه، والمساواة فعل الله تَعَالَى، وَالْعَبْد لَا يُكَلف إِلَّا بِمَا هُوَ فعله، وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا فِي أَوَائِل الْقيَاس، (و) قَوْلهم (إِيجَاب الْعَمَل بِمُوجب الْقيَاس) فِي عنوان المسئلة كَمَا فِي الشَّرْح العضدي بدل قَوْلنَا تَكْلِيف الْمُجْتَهد إِلَى آخِره (فِيهِ قُصُور عَن الْمَقْصُود) أَي فِي كل من الْقَوْلَيْنِ قُصُور، أما فِي الأول، فباعتبار أَنه لَو سلم كَون الْقيَاس هُوَ الْمُسَاوَاة لم يرد تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِنَفس الْمُسَاوَاة بل بمعرفتها بالأمارات، وَأما الثَّانِي فَلِأَن إِيجَاب الْعَمَل بِهِ إِنَّمَا يكون بعد تحَققه، والنزاع فِي أَنه هَل يُكَلف بِالنّظرِ والفحص ليظْهر وجوده أَولا، وعَلى الثَّانِي هَل يجوز التَّكْلِيف أم لَا؟ وَهَذَا محصول مَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف فِي تَوْجِيه الثَّانِي (لَا وَاجِب) مَعْطُوف على قَوْله جَائِز: أَي التَّكْلِيف بِمَا ذكر لَيْسَ بِوَاجِب عقلا (كالقفال) الشَّاشِي (وَأبي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute