الْوَاجِب إِلَّا بِهِ (واقتصارهم) أَي الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مِنْهُم على هَذَا الْمَنْع متجاوزين فِي الِاقْتِصَار (عَن آخِرهم) وَهَذَا على سَبِيل الْمُبَالغَة إِذْ لَا يُمكن التجاوز عَن الآخر، أَو الْمَعْنى عَن آخِرهم إِلَى أَوَّلهمْ بِجعْل الآخر ابْتِدَاء السلسلة من حَيْثُ التصاعد (يُنَادي بِانْتِفَاء دَفعه) أَي دفع قَول الكعبي (إِلَّا للنافي) كَون مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ وَاجِبا (وَلَيْسَ) هَذَا النَّفْي هُوَ (الْمَذْهَب الْحق) للفقهاء والمحدثين وَغَيرهم (وَلَا مخلص لأَهله) أَي الْحق عَن الكعبي فيلزمهم نفي الْمُبَاح رَأْسا (وَهُوَ) أَي الدّفع لقَوْل الكعبي (أقرب إِلَيْك مِنْك) هَذَا كِنَايَة عَن كَمَال الظُّهُور، إِذْ لَا يُمكن أَن يكون غير نفي الشَّيْء أقرب مِنْهُ إِلَيْهِ (لانكشاف منع أَن كل مُبَاح ترك حرَام، بل لَا شَيْء مِنْهُ) أَي من الْمُبَاح (إِيَّاه) أَي ترك حرَام (وَلَا يستلزمه) أَي الْمُبَاح ترك الْحَرَام (للْقطع بِأَن التّرْك: وَهُوَ كف النَّفس عَن الْفِعْل فرع خطوره) أَي الْفِعْل (و) فرع (دَاعِيَة النَّفس لَهُ) أَي للْفِعْل (و) نَحن (نقطع بِإِسْكَان سَائِر الْجَوَارِح) أَي جَمِيعهَا (وفعلها) أَي الْجَوَارِح مَعْطُوف على إسكان حَال كَون كل من الإسكان وَالْفِعْل (لَا عَن دَاعِيَة فعل مَعْصِيّة تركا لَهَا) أَي للمعصية حَال متداخلة من الضَّمِير المستكن فِي الْحَال الأول رَاجع إِلَى الإسكان وَالْفِعْل (بذلك) مُتَعَلق بتقطع: أَي بخطور الْفِعْل وداعية النَّفس لَهُ تَوْضِيحه أَن التّرْك الَّذِي هُوَ كف النَّفس عَن فعل الْمعْصِيَة تَارَة يتَحَقَّق بِفعل الْجَوَارِح بِأَن يشغلها بِفعل آخر عَنْهَا، والمباح أَيْضا تَارَة يتَحَقَّق بإسكانها وَتارَة بتحريكها وفعلها فيوهم أَن الْمُبَاح هُوَ التّرْك الْمَذْكُور، وَإِذا وجد شَيْء من إسكانها وفعلها وَلم يكن صدوره مسببا عَن دَاعِيَة فعل الْمعْصِيَة بِأَن يكون الْمَقْصُود مِنْهُ تَركهَا دلنا إِلَى الْقطع بصدوره لَا عَن تِلْكَ الداعية لعدم سبق خطور فعل الْمعْصِيَة وداعية النَّفس لَهَا، فكم من مُبَاح يتَحَقَّق وَلَيْسَ هُنَاكَ التّرْك الْمَذْكُور قطعا فَلَا يستلزمه (وَعند تحققها) أَي دَاعِيَة الْمعْصِيَة (فالكف) للنَّفس عَن فعلهَا (وَاجِب ابْتِدَاء) لَا ثَانِيًا بِحَسب تَحْرِيم الْمحرم الَّذِي هُوَ الْكَفّ تركا (يُثبتهُ) أَي وجوب هَذَا الْوَاجِب ابْتِدَاء فَاعله الدَّلِيل فِي قَوْله (بِمَا قَامَ بأطلاقه الدَّلِيل) الْجَار الأول مُتَعَلق بالإثبات، وَالثَّانِي بِالْقيامِ: يَعْنِي إثْبَاته الْوُجُوب بِسَبَب معنى قَائِم بِإِطْلَاقِهِ وَهُوَ عُمُومه وشموله لُزُوم الْكَفّ عَن كل دَاعِيَة مَعْصِيّة، وَيجوز أَن يكون ضمير الْمَوْصُول محذوفا وَالتَّقْدِير بِمَا قَامَ بِهِ وَيكون قَوْله بِإِطْلَاقِهِ بَدَلا عَن قَوْله بِمَا قَامَ بِهِ.
[مسئلة]
(قيل الْمُبَاح جنس الْوَاجِب) إِذْ الْمُبَاح مَا أذن فِي فعله، وَالْإِذْن جُزْء حَقِيقَة الْوَاجِب لاخْتِصَاص الْوَاجِب بِقَيْد زَائِد لِأَنَّهُ مَا أذن فِي فعله لَا فِي تَركه (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (غلط، بل) الْمُبَاح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute