للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ الرَّأْي فَإِذا قَامَ الدَّلِيل الْقَاطِع على أَنه لَا يصلح نَاسِخا يجب الْعَمَل بِمُوجبِه فَإِن قَول الصَّحَابِيّ فِيمَا يجْرِي فِيهِ الرَّأْي لَيْسَ بِحجَّة على الْمُجْتَهد (قَالُوا) أَي المانعون قَالَ تَعَالَى (مَا ننسخ الْآيَة وَالسّنة لَيست خيرا مِنْهُ) أَي من الْقُرْآن (وَلَا مثلا) لَهُ (ونأت يُفِيد أَنه) أَي الْآتِي بِالْخَيرِ والمثل (هُوَ تَعَالَى) والآتي بِالسنةِ هُوَ الرَّسُول (أُجِيب بِمَا تقدم) من أَن المُرَاد الْخَيْر والمثل من جِهَة اللَّفْظ، وَلَا يخفى أَن الِاسْتِدْلَال يُفِيد أَمريْن: أَحدهمَا أَن عدم خيرية السّنة وَعدم مثليتها يمْنَع من كَونهَا نَاسِخا لِلْقُرْآنِ، وَالثَّانِي أَن كَون الْآتِي بالناسخ لَيْسَ إِلَّا الله تَعَالَى يَأْبَى عَن كَون مَا أَتَى بِهِ الرَّسُول نَاسِخا فَمَا تقدم لَا يصلح إِلَّا جَوَابا عَن الأول ومتممه قَوْله (وَعدم تفاضله) أَي لفظ السّنة (بالخيرية أَي البلاغة) يَعْنِي من حَيْثُ البلاغة (مَمْنُوع) قَالَ الشَّارِح إِذْ فِي الْقُرْآن الفصيح والأفصح والبليغ والأبلغ انْتهى وَهَذَا غَفلَة مِنْهُ عَن الْبَحْث، إِذْ الْكَلَام فِي نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ لَا بِالْقُرْآنِ، وَأَنت خَبِير بِأَن أبلغية السّنة من الْقُرْآن إِذا لم يكن قدر السُّورَة لَيْسَ بممتنع شرعا لَكِن ترك هَذَا الْوَجْه أوجه (وَلَو سلم) أَن المُرَاد كَونه خيرا أَو مثلا من حَيْثُ الْمَعْنى (فَالْمُرَاد بِخَير من حكمهَا) أَو بِمثل حكمهَا بِالنّظرِ إِلَى الْعباد (وَالْحكم الثَّابِت بِالسنةِ جَازَ كَونه أصلح للمكلف) مِمَّا ثَبت بِالْقُرْآنِ أَو مُسَاوِيا لَهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى جَوَاب الْأَمر الثَّانِي بقوله (وَهُوَ) أَي الحكم الثَّابِت بِالسنةِ (من عِنْده تَعَالَى وَالسّنة مبلغة ووحي غير متلوّ بَاطِن) أَي كَونه وَحيا (لَا من عِنْد نَفسه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعَالَى - {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} - فالآتي بهَا فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الله تَعَالَى، وَالرَّسُول سفير.

[مسئلة]

نسخ جَمِيع الْقُرْآن غير جَائِز بِالْإِجْمَاع. قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ وَغَيره لِأَنَّهُ معْجزَة مستمرة على التَّأْبِيد، وَنسخ بعضه جَائِز، وتفصيله مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (ينْسَخ الْقُرْآن تِلَاوَة وَحكما أَو أَحدهمَا) أَي تِلَاوَة لَا حكما أَو عَكسه (وَمنع بعض الْمُعْتَزلَة غير الأول) أَي تِلَاوَة وَحكما (لنا جَوَاز تِلَاوَة حكم)، وَلذَا تحرم على الْجنب إِجْمَاعًا (وَمفَاده) من الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم وَغَيرهمَا حكم (آخر وَلَا يلْزم من نسخ حكم نسخ آخر) لَا تلازم بَينهمَا يُوجب ذَلِك، وَهَذَانِ الحكمان كَذَلِك فَيجوز نسخ أَحدهمَا دون الآخر كَسَائِر الْأَحْكَام الَّتِي لَيْسَ بَينهَا هَذَا التلازم (وَوَقع) نسخ أَحدهمَا دون الآخر (روى عَن عمر كَانَ فِيمَا أنزل الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله). قَالَ الشَّارِح: كَذَا ذكره ابْن الْحَاجِب، وَالَّذِي وقفت عَلَيْهِ مَا أخرجه الشَّافِعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>