للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُوجب هَذِه الشَّرَائِع مستمرا إِلَى أَن يظْهر النَّاسِخ وَأثبت هَذِه الْأَسْبَاب أحكاما ثَابِتَة مستمرة إِلَى ظُهُور نواقضها (شرعا) فعلى هَذَا بَقَاؤُهَا أَيْضا مَنْصُوص عَلَيْهِ كأصل ثُبُوتهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّمَسُّك بالاستصحاب (وَاعْلَم أَن مدَار الْخلاف) فِي كَون الِاسْتِصْحَاب حجَّة أَولا (على أَن سبق الْوُجُود مَعَ عدم ظن الانتفاء هَل هُوَ دَلِيل الْبَقَاء) أَولا (فَقَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة وَمن وافقهم (نعم فَلَيْسَ الحكم بِهِ) أَي بالاستصحاب حكما (بِلَا دَلِيل. و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا، إِذْ لَا بُد فِي الدَّلِيل من جِهَة يسْتَلْزم بهَا) الْمَطْلُوب (وَهِي) أَي الْجِهَة المستلزمة لَهُ (منتفية فتفرعت الخلافيات) بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فيرث الْمَفْقُود) من مَاتَ مِمَّن يَرِثهُ فِي غيبته (عِنْده) أَي الشَّافِعِي باستصحاب حَيَاته الْمُوجبَة لاسْتِحْقَاق الْإِرْث (لَا عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الْإِرْث من بَاب الْإِثْبَات، وحياته بالاستصحاب لَا توجب اسْتِحْقَاقه (وَلَا يُورث لِأَنَّهُ) أَي عدم الْإِرْث (دفع) لاسْتِحْقَاق الْإِرْث فَيثبت الِاسْتِصْحَاب (وعَلى مَا حققنا) من أَنه لَيْسَ حجَّة أصلا، فَإِن الدّفع اسْتِمْرَار عَدمه الْأَصْلِيّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (عَدمه) أَي الْإِرْث (أُصَلِّي لعدم) ثُبُوت (سَببه) أَي الْإِرْث (إِذْ لم يثبت مَوته) أَي الْمَفْقُود (وَلَا صلح على إِنْكَار) إِذْ لَا صِحَة لَهُ مَعَ إِنْكَار الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي (لإِثْبَات اسْتِصْحَاب بَرَاءَة الذِّمَّة) يَعْنِي أَن فَائِدَة الصُّلْح حُصُول بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ حَاصِل بِدُونِ الصُّلْح، وَلَا شكّ أَن بَرَاءَة الذِّمَّة هُوَ الأَصْل فالاستصحاب الَّذِي هُوَ إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ يثبتها فَلَا يَتَرَتَّب على هَذَا الصُّلْح فَائِدَة وَلَا صِحَة للمعقود بِدُونِ الْفَائِدَة فَلَا صلح على الْإِنْكَار، وَهَذَا الِاسْتِصْحَاب حجَّة للْمُدَّعِي عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لإِثْبَات بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد من يحْتَج بِهِ فِي الْإِثْبَات (كاليمين) أَي كَمَا أَن الْيَمين لإِثْبَات بَرَاءَة الذِّمَّة (وَصَحَّ) الصُّلْح على الْإِنْكَار (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الِاسْتِصْحَاب لَا يصلح حجَّة للإثبات فَلَا يثبت بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالاستصحاب (وَلم تجب الْبَيِّنَة على الشَّفِيع) على إِثْبَات ملك الْمَشْفُوع بِهِ لإنكار المُشْتَرِي الْملك الْمَشْفُوع بِهِ للشَّفِيع عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ متمسك بِالْأَصْلِ، فَإِن الْيَد دَلِيل الْملك فِي الظَّاهِر والتمسك بِالْأَصْلِ يحصل للدَّفْع والإلزام جَمِيعًا عِنْده (وَوَجَبَت) الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ لَا يصلح للالزام إِلَى غير ذَلِك من الخلافيات قد فرغ من المبادئ والأدلة السمعية وَشرع فِي مبَاحث الِاجْتِهَاد فَقَالَ:

الْمقَالة الثَّالِثَة فِي الِاجْتِهَاد وَمَا يتبعهُ من التَّقْلِيد والإفتاء

(هُوَ) أَي الِاجْتِهَاد (لُغَة بذل الطَّاقَة) أَي استفراغ الْقُوَّة بِحَيْثُ يحس بِالْعَجزِ عِنْد الْمَزِيد (فِي تَحْصِيل ذِي كلفة) أَي مشقة، يُقَال: اجْتهد فِي حمل الصَّخْرَة

<<  <  ج: ص:  >  >>