أَنه كَانَ يُوجد عِنْدهم مِنْهُمَا مَا لم يَكُونُوا مُحْتَاجين إِلَيْهِ، أَو بِاعْتِبَار أَن حَاجَة الْإِنْسَان إِلَى الْمَأْكُول أَشد مِنْهَا إِلَى الملبوس أَو غير ذَلِك (وَخير لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ) لكَون حَاجتهم إِلَيْهَا أَشد، أَو لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم الكفاف من الْمَأْكُول، أَو لقلَّة أكلهم وَقُوَّة توكلهم بِحَيْثُ لم يَكُونُوا يدخرون الطَّعَام وَشدَّة الْبرد بِالْمَدِينَةِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّقْيِيد، وَذكر الشَّارِح نصا آخر وَهُوَ مَا فِي كتاب الصّديق لأنس مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ " من بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَ عِنْد جَذَعَة وَعِنْده حَقه، فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين أَو عشْرين درهما " الحَدِيث (فَظهر أَن ذكر الشَّاة والجذعة) وَغَيرهمَا (كَانَ لتقدير الْمَالِيَّة، وَلِأَنَّهُ) أَي إِعْطَاء الشَّاة والجذعة (أخف على أَرْبَاب الْمَوَاشِي) لوجودها عِنْدهم (لَا لتعيينها) بِحَيْثُ لَا يُجزئ عَنْهَا الْبَدَل (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي الْكَفَّارَة) فِي إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا طَعَام سِتِّينَ على مَا مر (مثله) أَي مثل قَوْلهم (فِي الْأَوَّلين) وهما مسألتا، إِسْلَام الرجل على أَكثر من أَربع، وعَلى أُخْتَيْنِ فِي أَنه خلاف الْأَوْجه، وَإِنَّمَا الْأَوْجه قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة: إِنَّه إِذا أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجزئهُ، وَذَلِكَ لما مر من إِمْكَان قصد فضل الْجَمَاعَة وتضافر قُلُوبهم إِلَى آخِره مَعَ ارْتِكَاب الْمجَاز من غير ضَرُورَة، وَهُوَ جعل السِّتين أَعم من الْحَقِيقِيّ والحكمي (وَالله أعلم).
التَّقْسِيم الثَّالِث
من التقسيمات الثَّلَاثَة للفظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته وخفائه (مُقَابل) التَّقْسِيم (الثَّانِي) وَهُوَ تَقْسِيم اللَّفْظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته، فَلَزِمَ كَون هَذَا (بِاعْتِبَار الخفاء) أَي خَفَاء دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى المُرَاد (فَمَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي (كَانَ خفاؤه بِعَارِض) من الْأُمُور الخارجية من نفس اللَّفْظ من الْأَحْوَال الطارئة عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير الصِّيغَة فالخفي) أَي فَهُوَ الْخَفي، سمي بِهِ مَعَ كَونه أقل خَفَاء من الْأَقْسَام الْبَاقِيَة، لكَونه مُقَابلا للظَّاهِر الَّذِي هُوَ أقل ظهورا من تِلْكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْخَفي (أقلهَا) أَي أقل أَقسَام هَذَا التَّقْسِيم (فِي الخفاء كَالظَّاهِرِ) فَإِنَّهُ أقل أَقسَام ذَلِك التَّقْسِيم (فِي الظُّهُور) فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْخَفي مَا خَفِي المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الظَّاهِر، وَهُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ وَأجِيب بِأَن الخفاء بِنَفس اللَّفْظ فَوق الخفاء بِعَارِض، فَلَو كَانَ الْخَفي مَا ذكرت لزم أَن لَا يكون فِي أول مَرَاتِب الخفاء، فَلَا يكون إِذن مُقَابلا للظَّاهِر (وَحَقِيقَته) أَي حَده الكاشف عَن حَقِيقَته فَوق كشف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute