النَّهْي بِدَلِيل يدل عَلَيْهِ، فالقطع يَنْفِي الْمعْصِيَة عَنهُ إِذا خرج بِمَا هُوَ شَرطه فِي الْخُرُوج من السرعة والسلوك لأَقْرَب الطّرق وأقلها ضَرَرا: إِذْ لَا مَعْصِيّة بإيقاع الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي لَا نهي عَنهُ. قَالَ الإِمَام باستصحاب حكم الْمعْصِيَة عَلَيْهِ مَعَ إِيجَاب الْخُرُوج وَهُوَ بعيد: إِذْ لَا مَعْصِيّة إِلَّا بِفعل مَنْهِيّ أَو ترك مَأْمُور بِهِ، وَقد سلم انْتِفَاء تعلق النَّهْي بِهِ فانتهض الدَّلِيل عَلَيْهِ فَإِن قيل فِيهِ الجهتان، فَيتَعَلَّق الْأَمر بإفراغ ملك الْغَيْر، وَالنَّهْي بِالْغَصْبِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة سَوَاء قُلْنَا غلط، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِامْتِثَال فَيلْزم تَكْلِيف الْمحَال، بِخِلَاف صَلَاة الْغَصْب فَإِنَّهُ يُمكن الِامْتِثَال، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاتِّحَاد بِاخْتِيَار الْمُكَلف انْتهى، فالمستبعد ابْن الْحَاجِب وَغَيره، والمستصحب إِمَام الْحَرَمَيْنِ، واستصحاب الْمعْصِيَة عبارَة عَن إبْقَاء حكمهَا عَلَيْهِ مَعَ إِيجَاب الْخُرُوج بِنَاء على أَن الِاسْتِيلَاء على ملك الْغَيْر بِالدُّخُولِ لم يزل مَا لم يتم الْخُرُوج، وَوجه الاستبعاد مَا أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا نهي عَنهُ) أَي عَن الْخُرُوج بتوبة وَلَا مَعْصِيّة إِلَّا بِفعل نهي أوترك مَأْمُور بِهِ، وَقد اعْترف بِانْتِفَاء تعلق النَّهْي بِالْخرُوجِ (وثبوتها) أَي الْمعْصِيَة (بِلَا نهي) أَي فعل مَنْهِيّ عَنهُ أَو ترك مَأْمُور بِهِ (كَقَوْلِه) أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ (مَمْنُوع) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَإِنَّمَا حكمُوا بالاستبعاد دون الاستحالة، لِأَن الإِمَام لَا يسلم أَن دوَام الْمعْصِيَة لَا يكون إِلَّا بِفعل مَنْهِيّ عَنهُ أَو ترك مَأْمُور بِهِ: بل ذَاك فِي ابتدائها خَاصَّة. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: وَإِذا عصى الْمُكَلف بِفعل شخص آخر هُوَ مسبب عَن فعله على مَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا " لم يستبعد مَعْصِيَته لفعل لَهُ غير مُكَلّف بِهِ هُوَ مسبب عَن فعله الِاخْتِيَارِيّ، وَأَشَارَ إِلَى وَجه قَول أبي هَاشم، ورده بقوله (وادعاء جهتي التَّفْرِيع) لملك الْغَيْر بِالْخرُوجِ (وَالْغَصْب) بمروره فِي ملك الْغَيْر (فيتعلقان) أَي الْأَمر وَالنَّهْي (بِهِ) أَي بِالْخرُوجِ، وَقَوله فيتعلقان مَعْطُوف على ادِّعَاء إِمَّا بِتَأْوِيل فِي جَانب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ مُخْتَلف الْجِهَتَيْنِ فيتعلقان، أَو فِي جَانب الْمَعْطُوف: أَي فتعلقهما بِهِ، وَخبر الْمُبْتَدَأ (يلْزمه) أَي الادعاء المستعقب للتعلق (عدم إِمْكَان الِامْتِثَال) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي، لِأَن جِهَة التَّفْرِيع لَا تنفك عَن جِهَة الْغَصْب، وَحِينَئِذٍ (فتكليف بالمحال) إِذْ مَعْنَاهُ طلب الْخُرُوج وَعَدَمه (بِخِلَاف صَلَاة الْغَصْب فَإِنَّهُ يُمكن) الِامْتِثَال لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي فِيهَا لِإِمْكَان انفكاك جهتيهما فِيهَا كَمَا تقدم.
[مسئلة]
(اخْتلف فِي لفظ الْمَأْمُور بِهِ فِي الْمَنْدُوب) أَي فِي أَن تَسْمِيَته بِهِ حَقِيقَة أَو مجَاز (قيل) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي نقلا (عَن الْمُحَقِّقين) أَن تَسْمِيَته بِهِ (حَقِيقَة، و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة وَجمع من الشَّافِعِيَّة مجَاز، وَيجب كَون مُرَاد الْمُثبت) للْحَقِيقَة (أَن الصِّيغَة) أَي صِيغَة الْأَمر (فِي النّدب يُطلق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute