وَأما بِحَسب اطلاعنا عَلَيْهِمَا فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أما بِاعْتِبَار الِاتِّصَال) إِلَيْنَا بالألفاظ الدَّالَّة عَلَيْهِمَا (فَكَذَلِك عِنْد غير الْحَنَفِيَّة) أَي تَفْسِير الْإِيجَاب بِطَلَب الْفِعْل غير الْكَفّ من غير مُلَاحظَة حَال الدَّال، وَهَكَذَا فِي التَّحْرِيم (وَأما هم) أَي الْحَنَفِيَّة فلاحظوا ذَلِك فَقَالُوا (فَإِن ثَبت الطّلب الْجَازِم بقطعي) متْنا وَدلَالَة من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع (فالافتراض) إِن كَانَ الْمَطْلُوب غير كف (وَالتَّحْرِيم) إِن كَانَ كفا (أَو) ثَبت الطّلب الْجَازِم (بظني) دلَالَة من كتاب أَو دلَالَة، أَو ثبوتا من سنة أَو إِجْمَاع (فالإيجاب) فِي غير الْكَفّ (وَكَرَاهَة التَّحْرِيم) فِي الْكَفّ (ويشار كانهما) أَي الْإِيجَاب وَكَرَاهَة التَّحْرِيم الافتراض وَالتَّحْرِيم (فِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب بِالتّرْكِ) لما هُوَ الْمَطْلُوب مِنْهُ (وَعنهُ) أَي عَن التشارك فِي الِاسْتِحْقَاق. (قَالَ مُحَمَّد كل مَكْرُوه حرَام) مرِيدا بِهِ (نوعا من التَّجَوُّز) فِي لفظ حرَام بِاعْتِبَار التشارك الْمَذْكُور (وَقَالا) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف (على الْحَقِيقَة) الْمَكْرُوه (إِلَى الْحَرَام أقرب) مِنْهُ إِلَى الْمحل، وَإِنَّمَا قُلْنَا نوعا من التَّجَوُّز (للْقطع بِأَن مُحَمَّدًا لَا يكفر جَاحد الْوُجُوب وَالْمَكْرُوه) كَمَا يكفر جَاحد الْفَرْض وَالْحرَام (فَلَا اخْتِلَاف) بَينه وَبَينهمَا فِي الْمَعْنى (كَمَا يظنّ).
[مسئلة]
(أَكثر الْمُتَكَلِّمين) ذَهَبُوا إِلَى أَنه (لَا تَكْلِيف إِلَّا بِفعل) كسبي سَوَاء كَانَ فعل الْجَوَارِح أَو الْقلب (وَهُوَ) أَي الْفِعْل الْمُكَلف بِهِ (فِي النَّهْي كف النَّفس عَن الْمنْهِي) جَوَاب سُؤال وَهُوَ أَن الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي عدم الْإِتْيَان بالمنهي عَنهُ وَهُوَ أَمر أُصَلِّي حَاصِل وَلَيْسَ بِفعل وَحَاصِل الْجَواب أَن الْمُكَلف بِهِ لَيْسَ الْعَدَم الْأَصْلِيّ، بل هُوَ كف النَّفس عَن ميلها إِلَى الْمنْهِي عَنهُ، والكف فعل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ويستلزم) كَون الْفِعْل الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي كف النَّفس (سبق الداعية) أَي دَاعِيَة النَّفس إِلَى الْمنْهِي عَنهُ (فَلَا تَكْلِيف قبلهَا) أَي الداعية (تنجيزا) إِذْ لَو طلب مِنْهُ مُنجزا كف النَّفس عَن فعل لَيْسَ لَهَا دَاعِيَة لزم التَّكَلُّف بِمَا لَا يُطَاق: إِذْ لَا يتَصَوَّر كف النَّفس عَن شَيْء لم ترده وَلم تمل إِلَيْهِ فَإِذن يكون نَحْو: لَا تقربُوا الزِّنَا تَعْلِيق الْكَفّ أَي إِذا طلبته نَفسك فكفها عَنهُ، فَظهر فَائِدَة قَوْله تنجيزا فَإِن قيل لزم حِينَئِذٍ فَوَات فَضِيلَة امْتِثَال نهي شرب الْخمر لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ لما قيل من أَنه لم تطلب نَفسه الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام قُلْنَا لَا نقض فِيهِ مَعَ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِيهِ، وَهُوَ هَذَا النَّوْع من الْعِصْمَة (وَكثير من الْمُعْتَزلَة) مِنْهُم أَبُو هَاشم قَالُوا: الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي (عَدمه) أَي الْفِعْل (لنا لَا تَكْلِيف إِلَّا بمقدور) كَمَا سَيَأْتِي (والعدم غَيره) أَي غير مَقْدُور
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute