للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا كَانَ عَلَيْهِ المَاء قبل مُخَالطَة اللعاب (وَلَا يخفى أَنه) أَي اعْتِبَار الْأُصُول (حكم عدم التَّرْجِيح) بِشَيْء من الطَّهَارَة والنجاسة على الآخر من حَيْثُ الْأَثر (لَكِن رجحت الْحُرْمَة) على الْإِبَاحَة إِذا تَعَارَضَتَا لما تقدم آنِفا، على أَن حَدِيث التَّحْرِيم صَحِيح الْإِسْنَاد والمتن لَا اضْطِرَاب فِيهِ، وَحَدِيث الْإِبَاحَة مُضْطَرب الْإِسْنَاد، وَذكره الْبَيْهَقِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ ثمَّ الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ، وَأَيْضًا فِي دلَالَته على الْإِبَاحَة مُطلقًا نظر إِذْ الْقِصَّة تُشِير إِلَى اضطرارهم كَيفَ وَهُوَ مُصَرح بِتَأْخِيرِهِ عَن حَدِيث التَّحْرِيم فَلَو صَحَّ مُفِيدا للْإِبَاحَة مُطلقًا لَكَانَ نَاسِخا للتَّحْرِيم مُوجبا للطَّهَارَة (وَالْأَقْرَب) فِي تَقْرِير الْأُصُول فِي هَذَا الْمِثَال أَن يُقَال (تَعَارَضَت الْحُرْمَة الْمُقْتَضِيَة للنَّجَاسَة والضرورة الْمُقْتَضِيَة للطَّهَارَة) فِيهِ لِأَن الْحمار يرْبط فِي الدّور والأفنية وَيشْرب فِي الْأَوَانِي المستعملة وَيحْتَاج فِي الرّكُوب وَالْحمل (وَلم تترجح) الطَّهَارَة (لتردد فِيهَا) أَي الضَّرُورَة المسقطة للنَّجَاسَة (إِذْ لَيْسَ كالهرة) فِي المخالطة حَتَّى تسْقط نَجَاسَته كَمَا سَقَطت نَجَاسَة سُؤْر الْهِرَّة لِأَن الْهِرَّة تلج المضايق دونه (وَلَا الْكَلْب) فِي المجانبة الْغَالِبَة حَتَّى لَا تسْقط نَجَاسَته لِانْعِدَامِ الضَّرُورَة فِي الْكَلْب دونه (وَلَا النَّجَاسَة) أَي وَلم تترجح النَّجَاسَة لما فِيهَا من إِسْقَاط حكم الضَّرُورَة بِالْكُلِّيَّةِ فتساقطتا وَوَجَب الْمصير إِلَى الأَصْل وَهُوَ إبْقَاء مَا كَانَ من الْحَدث فِي الْمُتَوَضِّئ، وَالطَّهَارَة فِي المَاء.

[مسئلة]

(لَا شكّ فِي جرى التَّعَارُض بَين قَوْلَيْنِ و) لَا شكّ فِي (نَفْيه) أَي نفي جرى التَّعَارُض (بَين فعلين متضادين كَصَوْم يَوْم وَفطر فِي مثله) أَي فِي مثل ذَلِك الْيَوْم كَأَن يَصُوم فِي يَوْم السبت وَيفْطر فِي سبت آخر، وَذَلِكَ لجَوَاز أَن يكون أَحدهمَا وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مُبَاحا فِي وَقت وَلَيْسَ كَذَلِك فِي وَقت آخر مثله من غير رفع وَإِبْطَال لذَلِك الحكم إِذْ لَا عُمُوم للفعلين وَلَا لأَحَدهمَا (إِلَّا إِن دلّ على وُجُوبه) أَي ذَلِك الْفِعْل (عَلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَنَحْوه) أَي أَو على نَدبه أَو إِبَاحَته (وسببية متكرر) أَي وَدلّ مَعَ ذَلِك على سَبَبِيَّة أَمر لذَلِك الْوُجُوب أَو النّدب بِتَكَرُّر وجوده كَأَن يدل على أَن يَوْم السبت جعل سَببا لذَلِك فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يثبت التَّعَارُض بِوَاسِطَة هَذِه الدّلَالَة فَيكون فطره فِي يَوْم السبت الآخر بعد هَذِه الدّلَالَة دَلِيل عدم وجوب صَوْم كل سبت، وَذكر الشَّارِح أَن قَوْله إِلَّا إِلَى آخِره اسْتثِْنَاء من نَفْيه، وَيَنْبَغِي أَن يحمل على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع إِذْ لَيْسَ التَّعَارُض فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة بَين ذاتي الْفِعْلَيْنِ إِلَّا أَن يعمم قَوْله بَين فعلين بِحَيْثُ يشملهما بِضَرْب من الْمُسَامحَة (وَتَقَدَّمت الدّلَالَة على أَن الْأمة مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا عرفت فِيهِ صفة الْفِعْل وَقد فرض أَنه دلّ هَهُنَا على صفة الْفِعْل فِي حَقه وتكرره بِتِلْكَ الصّفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>