أَبُو مَنْصُور الماتريدي، وَاخْتَارَهُ صَاحب الْمِيزَان والحنابلة (مُطلقًا) أَي للإثبات وَالدَّفْع (ونفاه) أَي كَونه حجَّة (كثير) من الْحَنَفِيَّة وَبَعض الشَّافِعِيَّة والمتكلمون (مُطلقًا) فِي الْإِثْبَات وَالدَّفْع (وَأَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام) وَصدر الْإِسْلَام قَالُوا: هُوَ حجَّة (للدَّفْع) لَا للإثبات. (وَالْوَجْه) أَن يُقَال (لَيْسَ) الِاسْتِصْحَاب (حجَّة) أصلا كَمَا قَالَ الْكثير (وَالدَّفْع اسْتِمْرَار عَدمه) أَي عدم ذَلِك الْأَمر الَّذِي يتَوَهَّم طرده على مَا تحقق وجوده (الْأَصْلِيّ) صفة للعدم (لِأَن مُوجب الْوُجُود لَيْسَ مُوجب بَقَائِهِ) فَإِن الْبَقَاء اسْتِمْرَار الْوُجُود وَصفته، وَعلة الْمَوْصُوف لَا يجب أَن يكون عِلّة لصفته، وَالْمرَاد نفي لُزُوم الِاتِّحَاد بَينهمَا، لَا للُزُوم الْمُغَايرَة، فَلَا يرد أَنه لم لَا يجوز أَن يكون عِلّة الْوُجُود عِلّة الْبَقَاء، وهذاالقدر كَاف فِي التَّعْلِيل، لِأَن حجية الِاسْتِصْحَاب مَوْقُوفَة على كَون مُوجب الْوُجُود مُوجب الْبَقَاء، لِأَن حَاصله إبْقَاء مَا قد تحقق لموجب على مَا كَانَ، وَلَيْسَ عندنَا إِلَّا الْعلم بِوُجُود الْمُوجب للوجود فِيمَا سبق، فَلَو كَانَ يلْزم كَون مُوجب الْوُجُود مُوجب الْبَقَاء كَانَ ذَلِك دَلِيلا على الْبَقَاء وَحَيْثُ لم يلْزم لم يكن للبقاء دَلِيل، وَلذَا قَالَ (فَالْحكم بِبَقَائِهِ) أَي الْوُجُود (بِلَا دَلِيل) فَذكر اسْتِمْرَار الْعَدَم فِي مقَام الدّفع لثُبُوت أَمر طَارِئ على مَا تحقق وجوده إِنَّمَا هُوَ أَمر مَبْنِيّ على ظَاهر الْحَال، وَهُوَ إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، فَإِن الْعقل إِذا تردد بَين بَقَاء الشَّيْء وزواله وَلم يكن عِنْده مَا يدل على الزَّوَال كَانَ الرَّاجِح من الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْده الْبَقَاء. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بحجيته مُطلقًا: الحكم بِالْبَقَاءِ أَمر (ضَرُورِيّ لتصرفات الْعُقَلَاء) أَي لصدور تصرفاتهم (بِاعْتِبَارِهِ) لولاه لما صدرت عَنْهُم، ثمَّ بَينهَا بقوله (من إرْسَال الرُّسُل والكتب والهدايا) من بلد إِلَى بلد إِلَى غير ذَلِك، وَلَوْلَا الحكم الظني بِبَقَاء الْمُرْسل إِلَيْهِ مثلا لَكَانَ ذَلِك منعهَا (وَمِنْهُم) أَي من الْقَائِلين بحجيته مُطلقًا (من استبعده) أَي كَونه حجَّة بِالضَّرُورَةِ (فِي مَحل النزاع) فَإِنَّهُ لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لما نَازع فِيهِ جم غفير من الْعلمَاء (فعدلوا إِلَى أَنه لَو لم يكن حجَّة لم يجْزم بِبَقَاء الشَّرَائِع مَعَ احْتِمَال الرّفْع) أَي طريان النَّاسِخ، وَاللَّازِم بَاطِل (و) إِلَى (الْإِجْمَاع) أَيْضا (عَلَيْهِ) أَي على الِاسْتِصْحَاب على مَا يظْهر اعْتِبَاره فِي فروع الْمذَاهب كَمَا (فِي نَحْو بَقَاء الْوضُوء وَالْحَدَث والزوجية وَالْملك مَعَ طرُو الشَّك) فِي طريان الضِّدّ (وَأجِيب) عَن الأول (بِمَنْع الْمُلَازمَة لجوازه) أَي الْجَزْم ببقائها وَالْقطع بِعَدَمِ نسخهَا (بِغَيْرِهِ) أَي بِدَلِيل آخر غير الِاسْتِصْحَاب (كتواتر إِيجَاب الْعَمَل فِي كل شَرِيعَة بهَا) أَي بِتِلْكَ الشَّرِيعَة لأَهْلهَا (إِلَى ظُهُور النَّاسِخ وَتلك الْفُرُوع) لَيست مَبْنِيَّة على الِاسْتِصْحَاب بل (لِأَن الْأَسْبَاب توجب أحكاما) من الْوضُوء وَالْحَدَث والزوجية وَالْملك وَغير ذَلِك (ممتدة إِلَى ظُهُور الناقض) فَكَأَن الشَّارِع قَالَ أوجبت الْعَمَل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute