الْعلم بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فَامْتنعَ ارْتِكَاب طَرِيق الظَّن) وَهُوَ الِاجْتِهَاد لِأَن معرفَة الْأَحْكَام وَاجِبَة، وَالْأَصْل فِيهَا الْعلم وَلَا يعدل عَن الأَصْل إِلَّا عِنْد عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ (أُجِيب بِمَنْع الْمُلَازمَة) يَعْنِي لَا نسلم استلزام الْقُدْرَة الْمَذْكُورَة الِامْتِنَاع الْمَذْكُور منعا مُسْتَندا (بقول أبي بكر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي حَدِيث أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ " خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين فَذكر قصَّته فِي قَتله الْقَتِيل، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. فَقُمْت فَقلت من يشْهد لي. ثمَّ جَلَست إِلَى أَن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك أَبَا قَتَادَة؟ فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة. فَقَالَ رجل من الْقَوْم صدق يَا رَسُول الله سلب ذَلِك الْقَتِيل عِنْدِي فأرضه من حَقه " (لَاها الله) ذَا (" لَا يعمد إِلَى أَسد من أسود الله تَعَالَى يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق) فأعطه إِيَّاه، فأعطانيه ". قَالَ الْخطابِيّ لَاها الله ذَا بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم وَالله، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَمَعْنَاهُ لَا وَالله يكون ذَا: كَذَا فِي شرح السّنة، وَالْخطاب لمن لَهُ السَّلب وَيطْلب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضاء أبي قَتَادَة من ذَلِك السَّلب، وفاعل لَا يعمد ويعطيك ضمير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَأما الصِّيغَة فتروى لَاها الله بِإِثْبَات الْألف والتقاء الساكنين على حَده، ولاها الله بِحَذْف الْألف وَالْأَصْل لَا وَالله فحذفت الْوَاو وَعوض مِنْهَا حرف التَّنْبِيه، وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مُرَاد من قَالَ يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَأما التَّقْدِير فَقَوْل الْخَلِيل إِن ذَا مقسم عَلَيْهِ، وَتَقْدِيره لَا وَالله الْأَمر كَذَا فَحذف الْأَمر لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَقَول الْأَخْفَش أَنه من جملَة الْقسم وتوكيده لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ ذَا قسمي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنهم يَقُولُونَ لَاها الله ذَا لقد كَانَ كَذَا فيجيبون بالمقسم عَلَيْهِ بعد هَذَا، وَالظَّاهِر أَن هَذَا من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ بِحَضْرَتِهِ وَقد صَوبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَتقدم أَن ترك الْيَقِين لطَالب الصَّوَاب) ميلًا (إِلَى مُحْتَمل الْخَطَأ مُخْتَارًا يأباه الْعقل) فَلَا يحمل صَنِيع أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَلَيْهِ. بل الِاعْتِمَاد على أَنه إِن كَانَ خطأ يردهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّوَاب، فَيحصل الْيَقِين كَمَا سيشير إِلَيْهِ (واجتهاد أبي بكر فِي هَذِه الْحَالة لَا يسْتَلْزم تخييره) بَين الرُّجُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الِاجْتِهَاد (مُطلقًا) فِي الْحُضُور والغيبة للْفرق الظَّاهِر بَينهمَا، فَإِن التَّخْيِير فِي الْحُضُور لَا يسْتَلْزم مَا يأباه الْعقل لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَى الْيَقِين بتقريره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت إِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ إِذا لم يكن تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالِاجْتِهَادِ قلت يَكْفِيهِ اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف اجْتِهَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ بِدُونِ تَقْرِيره، واجتهاده رد أَبَا بكر واجتهاده إِلَى الصَّوَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا اجْتهد أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِحَضْرَتِهِ (لعلمه) أَي أبي بكر (أَنه لكَونه بِحَضْرَتِهِ إِن خَالف) الصَّوَاب فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute