قَامَ عِنْد المخاطبين من الْقَرَائِن الدَّالَّة على كَون المُرَاد محلا معينا من غير تعْيين ذَلِك الْمعِين، وَلذَا قَالَ (وَلَا معِين، فإجماله فِيهِ) أَي فَكَانَ الْقطع مُجملا فِي حق مَحَله الْمعِين (وَأما إِلْزَام أَن لَا مُجمل حِينَئِذٍ) جَوَاب سُؤال مُقَدّر على الِاسْتِدْلَال المزيف، تَقْرِيره يلْزم أَن لَا يكون مُجمل أبدا أَو مَا من الْجمل وَإِلَّا يجْرِي فِيهِ ذَلِك بِعَيْنِه، وَقَوله حِينَئِذٍ أَي حِين يتم هَذَا التَّوْجِيه (فَدفع) الْإِلْزَام الْمَذْكُور (بِأَن ذَلِك) أَي جَرَيَان الدَّلِيل فِيمَا (إِذا لم يتَعَيَّن) الْإِجْمَال بدليله (لَكِن تعينه) أَي الْإِجْمَال فِي موَاضعه (ثَابت بِالْعلمِ بالاشتراك والحقائق الشَّرْعِيَّة) إِشَارَة إِلَى مَا سبق من أَن الأجمال قد يكون لتَعَدد مَكَان لَا يعرف إِلَّا بِبَيَان كمشترك تعذر تَرْجِيحه، وَقد يكون لإبهام مُتَكَلم لوضعه لغير مَا عرف كالأسماء الشَّرْعِيَّة من الصَّلَاة وَالزَّكَاة والربا، وَقد مر بَيَانه، فَالْمُرَاد بقوله بِالْعلمِ الخ الْعلم بِهِ مَعَ تعذر التَّرْجِيح، وَقَوله والحقائق مَعْطُوف على الِاشْتِرَاك يَعْنِي الْإِجْمَال ثَابت بعلمنا بِأَن الصَّلَاة مثلا لَهَا حَقِيقَة شَرْعِيَّة مُعينَة غير اللُّغَوِيَّة مُرَادة للشارع عِنْد اسْتِعْمَالهَا وَلَا معِين لَهَا عِنْد التخاطب بهَا، فَلَزِمَ الْإِجْمَال.
الْمَسْأَلَة (السَّادِسَة لَا إِجْمَال فِيمَا) أَي لفظ (لَهُ مسميان لغَوِيّ وشرعي) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وضعا فِي اللُّغَة للدُّعَاء والإمساك، وَفِي الشَّرْع للمحققين الشرعيين (بل) ذَلِك اللَّفْظ إِذا صدر عَن الشَّارِع (ظَاهر فِي) الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي، وَهَذَا أحد الْأَقْوَال فِي هَذِه المسئلة: وَهُوَ الْمُخْتَار (وَثَانِيها للْقَاضِي أَنه مُجمل فيهمَا) و (ثَالِثهَا للغزالي) وَهُوَ أَن (فِي النَّهْي مُجمل) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (وَرَابِعهَا) لقوم مِنْهُم الْآمِدِيّ وَهُوَ أَنه (فِيهِ) أَي فِي النَّهْي (اللّغَوِيّ) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (لنا عرفه) أَي عرف الشَّرْع (يقْضِي) أَي يحكم (بظهوره) أَي اللَّفْظ (فِيهِ) أَي فِي الشَّرْع، لِأَنَّهُ صَار مَوْضُوعا فِي عرف الشَّرْع وَالظَّاهِر من الشَّارِع، بل وَمن أهل الشَّرْع أَيْضا أَن يُخَاطب بعرفه، كَيفَ وَلَو خَاطب بِغَيْرِهِ كَانَ مجَازًا إِلَّا إِذا كَانَ التخاطب بذلك الْغَيْر (الْإِجْمَال) أَي دَلِيل الْإِجْمَال فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي أَنه (يصلح لكل) من الْمُسَمّى اللّغَوِيّ والشرعي وَلم يَتَّضِح وَهُوَ معنى الْإِجْمَال، وَالْجَوَاب ظُهُوره فِي الشَّرْعِيّ. قَالَ (الْغَزالِيّ) مَا ذكرْتُمْ من الظُّهُور فِي الْإِثْبَات وَاضح، وَأما فِي النَّهْي فَلَا يُمكن حمله على الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) إِذْ الشَّرْعِيّ (مَا وَافق أمره) أَي الشَّارِع (وَهُوَ) مَا وَافق أمره (الصَّحِيح) فالشرعي هُوَ الصَّحِيح (وَيمْتَنع) الْوِفَاق (فِي النَّهْي) لِأَن الْمنْهِي عَنهُ مُخَالف لِلْأَمْرِ، لِأَن النَّهْي يدل على فَسَاده (أُجِيب) عَنهُ بِأَنَّهُ (لَيْسَ الشَّرْعِيّ الصَّحِيح) أَي لَا يعْتَبر الصِّحَّة فِي الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ لَا جَزَاء وَلَا شرطا (بل) الشَّرْعِيّ (الْهَيْئَة) بِالنّصب عطف على خبر لَيْسَ، وَلَا يضر انْتِقَاض النَّفْي ببل، لِأَن عَملهَا للفعلية: يَعْنِي لَيْسَ الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ هُوَ الصَّحِيح، بل مَا يُسَمِّيه الشَّارِع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute