للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْن الْحَاجِب وَغَيره بِمَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعلمَاء وَهُوَ (تَارِك الْأَمر عَاص) مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن خطاب مُوسَى لهارون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام - {أفعصيت أَمْرِي} - بِتَرْكِهِ مُقْتَضَاهُ (وَهُوَ) أَي العَاصِي مُطلقًا (متوعد) لقَوْله تَعَالَى - {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} - (فنمنع كَونه) أَي العَاصِي (تَارِك) الْأَمر (الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن الْمُجَرَّدَة للْوُجُوب (بل) العَاصِي (تَارِك مَا) هُوَ مقرون من الْأَوَامِر (بِقَرِينَة الْوُجُوب) وَإِضَافَة أَمْرِي عهدية أُشير بهَا إِلَى أَمر كَذَا (فَإِذا اسْتدلَّ) لعصيان تَارِك الْأَمر الْمُجَرّد (بأفعصيت أَمْرِي: أَي اخلفني) تفسر لقَوْله أَمْرِي إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى - {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اخلفني فِي قومِي} - (منعنَا تجرده) أَي تجرد هَذَا الْأَمر عَن الْقَرِينَة المفيدة للْوُجُوب، فَإِن فِي السِّيَاق مَا يُفِيد ذَلِك (فَأَما) الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي يعرضون عَنهُ بترك مُقْتَضَاهُ - {أَن تصيبهم فتْنَة} - أَي محنة الدُّنْيَا - {أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} - لِأَنَّهُ رتب على ترك مُقْتَضى أمره أحد العذابين (فَصَحِيح، لِأَن عُمُومه) أَي عُمُوم أمره (بِإِضَافَة الْجِنْس الْمُقْتَضى كَون لفظ أَمر لما يُفِيد الْوُجُوب خَاصَّة يُوجِبهُ للمجردة) يَعْنِي أَن لفظ أمره عَام لكَون إِضَافَته جنسية فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله الْأَمر بِاللَّامِ الاستغراقية، فَلَزِمَ ترَتّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد من أَفْرَاد مَا وضع لَهُ لفظ أَمر من الصِّيَغ الْمَعْلُومَة كاسجد، واركع إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا الْعُمُوم يقتضى كَون لفظ أَمر مَوْضُوعا لما يُفِيد الْوُجُوب فَقَط، وَإِلَّا لم يَتَرَتَّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد، إِذْ من الْجَائِز على تَقْدِير عدم لُزُوم موضوعية كل صِيغَة مِنْهَا للْوُجُوب وَقع مُخَالفَته لمقْتَضى صِيغَة مُجَرّدَة عَن الْقَرِينَة الْمعينَة للْوُجُوب، فالعموم الْمَذْكُور مُوجب لكَون الصِّيغَة الْمُجَرَّدَة عَن الْقَرَائِن للْوُجُوب: فَحِينَئِذٍ يَصح الْعُمُوم لكَون جَمِيع أَفْرَاده حِينَئِذٍ مَوْضُوعا للْوُجُوب وَالله أعلم. (والاستلال) للْوُجُوب أَيْضا (بِأَن الِاشْتِرَاك خلاف الأَصْل) لَا خلاله بالفهم (فَيكون) الْأَمر (لأحد الْأَرْبَعَة) الْوُجُوب، وَالنَّدْب، وَالْإِبَاحَة والتهديد حَقِيقَة. وَفِي الْبَاقِي مجَازًا، وَلم يذكر غير الْأَرْبَعَة للاتفاق على كَونه مجَازًا فِيمَا سواهَا (وَالْإِبَاحَة والتهديد بعيد للْقطع بفهم تَرْجِيح الْوُجُوب) يَعْنِي أَنا نقطع بِأَنَّهُ يفهم من صِيغَة الْأَمر أَن الْأَمر طَالب لوُجُوب الْفِعْل بِمَعْنى أَنه رَاجِح عِنْدهم وَعَن تَركه أَعم من أَن يكون مجوزا للترك أَو لَا، وَهَذَا الْفَهم لَا يحْتَاج إِلَى قرينَة لتبادره إِلَى الذِّهْن (وَانْتِفَاء النّدب) أَي كَونه حَقِيقَة أَيْضا ثَابت (للْفرق بَين) قَوْلنَا (اسْقِنِي وندبتك) إِلَى أَن تسقيني، وَلَو كَانَ لَهُ لم يكن بَينهمَا فرق (ضَعِيف لمنعهم) أَي النادبين (الْفرق) بَينهمَا (وَلَو سلم) الْفرق (فَيكون ندبتك نصا) فِي النّدب (واسقني) لَيْسَ بِنَصّ فِيهِ، بل (يحْتَمل الْوُجُوب) وَالنَّدْب (وَأَيْضًا لَا ينتهض) أَي لَا يقوم بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور حجَّة بِنَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>