(فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل حرمته النّسخ وَلَا يكون سَبَب نعْمَة (وَيُقَال فِيهِ قبح لعَينه شرعا كَالزِّنَا للتضييع) فَإِنَّهُ فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لجِهَة فِيهِ لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا: وَهِي تَضْييع النَّسْل، لِأَن الشَّرْع قصر انْتِفَاء النَّسْل بِالْوَطْءِ على مَحل مَمْلُوك (فَلم يبحه) الله تَعَالَى (فِي مِلَّة) من الْملَل فَإِن قيل ثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة نعْمَة، لِأَنَّهَا تلْحق الأجنبيات بالأمهات والأجانب بِالْآبَاءِ، وَقد ثبتَتْ مسببة عَن الزِّنَا عِنْد الْحَنَفِيَّة فَتعلق بِهِ خطاب الْوَضع من حَيْثُ جعله سَببا لَهَا فَلَزِمَ مشروعيته من هَذَا الْوَجْه وَأجِيب بِأَنَّهَا لم تثبت مسببة عَن الزِّنَا من حَيْثُ ذَاته، بل من حَيْثُ أَنه سَبَب للْمَاء الَّذِي هُوَ سَبَب الْمعْصِيَة الْحَاصِلَة بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحقّ للكراهة، وَمِنْهَا حُرْمَة الْمَحَارِم إِلَى آخر مَا ذكرُوا فِي مَحَله، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عِنْده) أَي الزِّنَا (بِأَمْر آخر) لَا بِالزِّنَا (كثبوت ملك الْغَاصِب عِنْد زَوَال الِاسْم وتقرر الضَّمَان فِيمَا يجب بِملك) شُبْهَة، جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال بِجَوَاب إِشْكَال آخر: وَهُوَ أَن الْغَصْب تعد على الْغَيْر فَلهُ جِهَة قبح لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا وَقد جَعَلُوهُ مَشْرُوعا بعد النَّهْي حَيْثُ جَعَلُوهُ سَببا للْملك الْمَغْصُوب إِذْ تصرف فِيهِ الْغَاصِب تَصرفا بِهِ تغير بِحَيْثُ زَالَ اسْمه، وَكَانَ ذَلِك الْمَغْصُوب مِمَّا يَصح تملكه احْتِرَازًا عَن نَحْو الْمُدبر وَالْملك نعْمَة، وَذَلِكَ أَنه لم يثبت بِعَين الْغَصْب، بل بِأَمْر آخر وَهُوَ أَن لَا يلْزم اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ إِن قُلْنَا يبْقى ملكه فِي عين الْمَغْصُوب عِنْد تقرر الضَّمَان وصيرورة قِيمَته دينا فِي ذمَّة الْغَاصِب، وَفِي الْمَبْسُوط وَلَكِن هَذَا غلط، لِأَن الْملك عندنَا يثبت من وَقت الْغَصْب، وَلِهَذَا يَقع بيع الْغَاصِب وَيسلم الْكسْب لَهُ انْتهى، وَقد يُقَال ثُبُوته من وَقت الْغَصْب بطرِيق الِاسْتِنَاد وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوته عِنْد زَوَال الِاسْم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله إِلَى رد مَا ذكر من أَن سَبَب الْملك غير الْغَصْب أَمر آخر بقوله (وَالْمُخْتَار) أَن (الْغَصْب عِنْد الْفَوات سَبَب الضَّمَان مَقْصُودا جبرا) للفائت رِعَايَة للعدل: يَعْنِي لَا نقُول سَبَب الْملك أَمر آخر غير الْغَصْب، بل إِنَّمَا هُوَ الْغَصْب لَكِن عِنْد الْفَوات، فالفوات شَرط، وَالسَّبَب هُوَ الْغَصْب، وَطَرِيق سببيته أَنه قصد أَولا سببيته للضَّمَان جبرا (فاستدعى) كَون سَبَب الضَّمَان (تقدم الْملك) أَي ملك الْمَغْصُوب للْغَاصِب، لِأَنَّهُ مَعَ بَقَائِهِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ لَا يُمكن إِثْبَات الضَّمَان فِي ذمَّة الْغَاصِب لما ذكر (فَكَانَ) الْغَصْب (سَببا لَهُ) أَي للْملك (غير مَقْصُود) سببيته بِالذَّاتِ (بل بِوَاسِطَة سببيته) أَي الْغَصْب (لمستدعيه) أَي الْملك وَهُوَ الضَّمَان (وَهَذَا قَوْلهم) أَي حَاصِل قَول الْحَنَفِيَّة (فِي الْفِقْه هُوَ) أَي الْغَصْب (بعرضية) أَي فِي معرض (أَن يصير سَببا) لملك الْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ مستبعد للإفضاء إِلَى الْملك غير أَنه مُتَوَقف على تحقق الْفَوات الَّذِي هُوَ شَرط الضَّمَان (لَا يُقَال لَا أثر لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَة) فِي الحكم (فَيصدق نفي سببيته) أَي الْغَصْب (للْملك) لِأَنَّهُ سَبَب بعيد لَهُ (فَالْحق الأول (
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute