الْمجَاز (أسبق) إِلَى الْفَهم. قَالَ الشَّارِح هَهُنَا فَمحل التَّعَامُل الْمَعْنى، وَمحل الِاسْتِعْمَال والحقيقة وَالْمجَاز اللَّفْظ انْتهى: فَعلم أَنه فهم أَن المُرَاد أَوْلَوِيَّة التَّفْسِير الأول على الثَّانِي بِاعْتِبَار أَن الأول يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ، وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى، وَلَا يخفى ضعفه (ثمَّ هَذَا) التَّقْرِير فِي وضع المسئلة بِنَاء (على تَسْمِيَة الْمَعْنى بهما) أَي بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز، وإطلاقهما عَلَيْهِ مُسَامَحَة لإِجْمَاع أهل اللُّغَة على أَنَّهُمَا من أَوْصَاف اللَّفْظ، وَهَذَا بِنَاء على الظَّاهِر: إِذْ يبعد أَن يُرَاد بِالْحَقِيقَةِ المستعملة اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع لَهُ، وَالْمجَاز الْمُتَعَارف اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمجَازِي الْمُتَعَارف، وَيكون الْمَعْنى: حمل اللَّفْظ على الْحَقِيقِيّ الَّذِي قد يسْتَعْمل فِيهِ أولى من حمله على الْمجَازِي الْمُتَعَارف (والتحرير) أَي تَقْرِير الْمحل على وَجه التَّحْقِيق (أَنه) أَي الْمجَاز الْمُتَعَارف هُوَ (الْأَكْثَر اسْتِعْمَالا فِي الْمجَازِي مِنْهُ فِي الْحَقِيقِيّ) أَي اللَّفْظ الَّذِي اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى الْمجَازِي أَكثر من اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَمَا يُقَابله ظَاهر فمدار الْمجَاز الْمُتَعَارف على أكثرية اسْتِعْمَاله فِي الْمجَازِي، ومدار مُقَابِله على عدمهَا الْمُتَعَارف بالتفاهم والتعامل، وَبَيَان الْأَوْلَوِيَّة حِينَئِذٍ على الْوَجْه الَّذِي ذكر آنِفا لَا يتَّجه (وَمَا قيل) على مَا روى عَن مَشَايِخ مَا وَرَاء النَّهر من قَوْلهم (الثَّانِي) وَهُوَ التَّفْسِير بالتعامل (قَوْلهمَا وَالْأول) وَهُوَ التَّفْسِير بالتفاهم (قَوْله للحنث عِنْده بِأَكْل آدَمِيّ وخنزير) إِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا لِأَن التفاهم يَقع عَلَيْهِ: إِذْ الْمُتَبَادر مِنْهُ مَا يُطلق عَلَيْهِ اللَّحْم وَعدم الْحِنْث عِنْدهمَا: لِأَن التَّعَامُل لَا يَقع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَل عَادَة (غير لَازم: بل) الْحِنْث عِنْده فيهمَا (لاستعمال اللَّحْم فيهمَا) أَي فِي لحم الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير فَهُوَ يعْمل بِأَصْلِهِ، وَهُوَ الْحمل على الْحَقِيقَة عِنْد تَحْقِيق الِاسْتِعْمَال نعم لَو لم يسْتَعْمل فيهمَا وَكَانَ الْمصير إِلَى الْمجَاز لَكَانَ للتَّعْلِيل وَجه (فَيقدم) الِاعْتِبَار للْحَقِيقَة وَعدم الْحِنْث عِنْدهمَا كَمَا أَفَادَ بقوله (ولأسبقية مَا سواهُمَا) أَي مَا سوى لحم الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير إِلَى الأفهام عِنْد الْإِطْلَاق (عِنْدهمَا، وَيشكل عَلَيْهِ) أَي على أبي حنيفَة (مَا تقدم من التَّخْصِيص بِالْعَادَةِ بِلَا خلاف) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اقْتِصَار الْحِنْث على مَا اُعْتِيدَ أكله من اللحوم، فَإِذا كَانَ الْحَالِف مُسلما كَانَ فِي حَقه الْمُتَعَارف عدم أكلهما، ومبني الْأَيْمَان على الْعرف، فِي العتابي هُوَ الصَّحِيح، وَفِي الْكَافِي وَعَلِيهِ الْفَتْوَى (وَكَون هَذِه) المسئلة (فرع جِهَة الخلفية فرجح) أَبُو حنيفَة (التَّكَلُّم بهَا) أَي بِالْحَقِيقَةِ على التَّكَلُّم بالمجاز (ورجحا الحكم بأعميته) أَي بِسَبَب أعمية حكم الْمجَاز وشموله (لحكمهما) أَي لحكم الْحَقِيقَة وَغَيره فتكثر فَائِدَته، فَفِيهِ عمل بِالْحَقِيقَةِ من وَجه لدخولها فِيهِ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن فرعية هَذِه المسئلة لمسئلة الخلفية لَا يُنَاسب القَوْل بترجيح أبي حنيفَة التَّكَلُّم وترجيحهما الحكم، لِأَن التَّرْجِيح إِنَّمَا يعْتَبر إِذا كَانَ كل من المتخاصمين يجوز كلا من الْأَمريْنِ: اعْتِبَار التَّكَلُّم، وَاعْتِبَار الحكم وفرعيتها لجِهَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute