للتكليف (مثل سَابق) على الْمثل الْمُقَارن للْفِعْل (وَقد علمت) من قَوْلنَا الْقُدْرَة صفة لَهَا صَلَاحِية التَّأْثِير (أَن الصلاحية لَازِمَة لماهيتها) أَي الْقُدْرَة (فتلزم) الصلاحية الْمَذْكُورَة (كل فَرد) من أفرادها ضَرُورَة عدم تخلفه اللَّازِم عَن أَفْرَاد الْمَلْزُوم (وَذَلِكَ) الْمثل السَّابِق (مَدْلُول عَلَيْهِ بسلامة آلَات الْفِعْل وَصِحَّة أَسبَابه فَلِذَا فَسرهَا) أَي الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ شَرط الْفِعْل (الْحَنَفِيَّة بِهِ) أَي بِمَا ذكر من سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات (وَأما دَفعه) أَي قَول الْأَشْعَرِيّ من الْمُعْتَزلَة (بِأَن عِنْد الْمُبَاشرَة) للْفِعْل (مَعَ الداعية) إِلَيْهِ (وَالْقُدْرَة) عَلَيْهِ (يجب) الْفِعْل (فَلَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة) لعدم التَّمَكُّن من التّرْك وَلَا تَكْلِيف إِلَّا بمقدور، وَفِيه أَن قَوْله وَالْقُدْرَة مَعْطُوف على الداعية، فليزم مقارنتها مَعَ الْمُبَاشرَة فَمَا معنى قَوْله لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة فَتَأمل (فمدفوع بِأَنَّهُ) أَي وجوب الْفِعْل حِينَئِذٍ (وجوب) تَأْثِير (عَن اخْتِيَار سَابق فِي الْفِعْل وَعدم) للْفِعْل السَّابِق (مَعَ إِمْكَان) للْفِعْل وَالتّرْك (مصحح للتكليف حِينَئِذٍ وَلَيْسَ) هَذَا الدّفع بجيد (لِأَن الْوُجُوب لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالْفِعْلِ) على التَّمام، وَإِنَّمَا قَالَ (فِي التَّحْقِيق) إِشَارَة إِلَى مَا اشْتهر من أَن كل مُمكن محفوف بوجوبين: وجوب سَابق نظرا إِلَى علته التَّامَّة لكَون الْأَسْبَاب العادية مُؤثرَة فِي نفس الْأَمر، وجوب لَاحق للوجود أَو بعد الْوُجُود لَا يَنْفِي إِمْكَان عدم ذَلِك الْوُجُود من الأَصْل بِأَن يبْقى إِمْكَان عدم بَقَائِهِ كَلَام ظاهري (وَالْقُدْرَة) للْعَبد (لَا يُقَام بهَا الْفِعْل عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة والأشاعرة، وَمعنى الْإِقَامَة بهَا كَونهَا مُؤثرَة فِيهِ (بل تصاحبه) أَي تقارن الْقُدْرَة الْفِعْل كَمَا قارنته لسَائِر الْأَسْبَاب العادية (إِذْ لَا يُقَام) الْفِعْل (إِلَّا بقدرته تَعَالَى، وَلَا تَأْثِير أصلا لقدرة العَبْد فِيهِ) أَي الْفِعْل (فَلَيْسَ شَرط التَّكْلِيف إِلَّا مَا ذكرنَا) من سَلامَة آلَات الْفِعْل وَصِحَّة أَسبَابه (وَلَا يَسْتَدْعِي) مَا ذكر من الشَّرْط وَغَيره (الْمَعِيَّة) أَي كَون التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل بتأثير قدرته تَعَالَى من غير مدخلية للْعَبد يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِن عِنْده) أَي عِنْد مَا ذكر من سَلامَة الْآلَات وَصِحَّة الْأَسْبَاب (يخلق بقدرته) تَعَالَى (عَادَة) بِمَعْنى أَن عَادَته جرت بِأَنَّهُ يخلق أَفعَال الْعباد مَقْرُونا بذلك، فحاصل الِاشْتِرَاط التلازم لَا التَّوَقُّف (عِنْد الْعَزْم) أَي عزم العَبْد على الْفِعْل (المصمم) صفة مُؤَكدَة للعزم والظرف الثَّانِي بدل من الأول بدل الاشتمال أَو الْبَعْض، ثمَّ لما أَفَادَ عدم جودة الدّفع الْمَذْكُور بِاعْتِبَار تَأَخّر الْوُجُوب الْمَذْكُور عَن الْفِعْل أَرَادَ أَن يُفِيد أَن الِاخْتِيَار السَّابِق الَّذِي حكم بِكَوْنِهِ منشأ للْوُجُوب الْمَذْكُور إِنَّمَا يعْتَبر لِأَن يكون فعل الْمُكَلف امتثالا وَإِذا اعْتَبرهُ سَابِقًا على التَّكْلِيف لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذَلِك الْقَصْد فَقَالَ (وَأَيْضًا سبق الِاخْتِيَار التَّكْلِيف بسبق مَا قارنه) أَي التَّكْلِيف وَهُوَ مُبَاشرَة الْفِعْل كَمَا يفِيدهُ القَوْل بِأَن التَّكْلِيف عِنْد الْمُبَاشرَة (لَا يُوجب وُقُوع) وجوب (الْفِعْل امتثالا لِأَنَّهُ) أَي الِامْتِثَال إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute