الْكَذِب إِنَّمَا حصل بِسَبَب التَّعْرِيض، فالإنقاذ لَا يتَوَقَّف على الْكَذِب ليتعين فيترتب عَلَيْهِ مَا ذكر (قَالُوا) أَي الأشاعرة ثَانِيًا (لَو اتّصف) الْفِعْل بالْحسنِ والقبح لذاته (اجْتمع المتنافيان فِي لأكذبن غَدا، لِأَن صدقه) أَي لأكذبن غَدا (الَّذِي بِهِ حسنه) إِنَّمَا يتَحَقَّق (بكذب غَد فيقبح) لكَونه يسْتَلْزم كذبا فَاجْتمع الْحسن والقبح فِيهِ (وَقَلبه) أَي وَلِأَن كذبه الَّذِي بِهِ قبحه بِعَدَمِ كذب غَد فَيحسن، ولكونه ترك كذب فَاجْتمع الْحسن والقبح فِي كذبه (ومبناه) أَي هَذَا الدَّلِيل (على أَن الْمَلْزُوم لخارج حسن حسن) فَإِن لم يكن لَهُ فِي حد ذَاته حسن، والملزوم لخارج قَبِيح قَبِيح، وَإِن كَانَ لَهُ حسن فِي حد ذَاته (وَجَوَابه مَا مر من عدم التَّنَافِي) بَين كَونه حسنا وقبيحا (للجهتين) أَي لَا يُنَافِي كَون الشَّيْء حسنا من جِهَة كَونه قبيحا من جِهَة أُخْرَى (لما مر من المُرَاد بالذاتي) تَعْلِيل لِإِمْكَان اعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ الْمَفْهُوم ضمنا، كَأَنَّهُ قيل كَيفَ يُمكن ذَلِك مَعَ كَون الْحسن والقبح ذاتيين والذات جِهَة وَاحِدَة، فَالْجَوَاب أَن إِمْكَانه لِمَعْنى وَجب الْمصير إِلَيْهِ، وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ الَّذِي ذكر أَنه مُرَاد بالذاتي، وَبَين مفصلا (فَلَا ينتهض) الدَّلِيل الْمَذْكُور حجَّة (على أحد، قَالُوا) أَي الأشاعرة (ثَالِثا لَو اتّصف) الْفِعْل بالْحسنِ والقبح لذاته (وهما) أَي الْحسن والقبح لذاته (عرضان قَامَ الْعرض) الَّذِي هُوَ أَحدهمَا (بِالْعرضِ) الَّذِي هُوَ الْفِعْل (لِأَن الْحسن زَائِد) على مَفْهُوم الْفِعْل (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن زَائِدا عَلَيْهِ: بل كَانَ عينه أَو جزءه (كَانَت عقلية الْفِعْل عقليته) أَي الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الْعقل من الْفِعْل عين الصُّورَة الْحَاصِلَة فِيهِ من الْحسن، وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد يعقل الْفِعْل وَلَا يعقل حسنه وَلَا قبحه (و) أَيْضا الْحسن وصف (وجودي لِأَن نقيضه) أَي نقيض حسن (لَا حسن) وَهُوَ (سلب وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن سلبا بل وجوديا (استلزم محلا مَوْجُودا) لِامْتِنَاع قيام الصّفة الثبوتية بِالْمحل الْمَعْدُوم، وَإِذا استلزم محلا مَوْجُودا (فَلم يصدق على الْمَعْدُوم) لاحسن، وَهُوَ بَاطِل بِالضَّرُورَةِ، وَإِذا كَانَ أحد النقيضين سلبيا كَانَ الآخر وجوديا ضَرُورَة امْتنَاع النقيضين. قَالَ الشَّارِح وَالْكَلَام فِي الْقبْح كَالْكَلَامِ فِي الْحسن، وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْمَتْن حَيْثُ قَالَ: وهما عرضان الخ، غير أَن قَوْله: لِأَن الْحسن زَائِد لَا يظْهر فِيهِ وَجه التَّخْصِيص مَعَ أَن الْمُدَّعِي مركب، وَدَلِيل الزِّيَادَة لَا يخْتَص بالْحسنِ إِلَّا بِأَن يُقَال الوجودية مُعْتَبرَة فِي كَون الْوَصْف عرضا كَمَا يفِيدهُ قَوْله وجودي الخ، وَهُوَ الْحق فَبين أول كَلَامه وَآخره نوع تدافع، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بقوله: عرضان وصفان قائمان بِالْفِعْلِ، وبالعرض فِي قَوْله: قَامَ الْعرض الْحسن، وَحِينَئِذٍ لَا يُنَافِي قَول الشَّارِح: وَالْكَلَام إِلَى آخِره، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ قَوْله (وَدفع) هَذَا الدَّلِيل (بِأَن عدمية صُورَة السَّلب) أَي مَا صدق عَلَيْهِ السَّلب على الْإِطْلَاق، عبر بهَا لكَونه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute