ذَهَبا (وَالْخلاف) الْجَارِي فِي اسْتِحَالَة اتصافه بِالْكَذِبِ وَنَحْوه على مَا ذكر (جَار) نَظِيره (فِي كل نقيصة) ثمَّ صور كيفيته بقوله (أقدرته) تَعَالَى (عَلَيْهَا) أَي على تِلْكَ النقيصة (مسلوبة أم هِيَ) أَي النقيصة (بهَا) أَي بقدرته (مشمولة) فالجملتان الإنشائيتان فِي مَحل الرّفْع على الخبرية بِتَقْدِير الْكَلَام تَصْوِير الْخلاف بِاعْتِبَار السُّؤَال الَّذِي يَقع جَوَاب كل من المتخالفين عَنهُ، بِأَن يُقَال: أقدرته إِلَى آخِره (وَالْقطع بِأَنَّهُ لَا يفعل) أَي وَالْحَال الْقطع بِعَدَمِ فعل تِلْكَ النقيصة (وَالْحَنَفِيَّة والمعتزلة على الأول) أَي على أَن قدرته عَلَيْهَا مسلوبة لِاسْتِحَالَة تعلق قدرته بالمحال (وَعَلِيهِ فرعوا) أَي على أَن قدرته (امْتنَاع تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، و) امْتنَاع (تَعْذِيب الطائع). قَالَ المُصَنّف فِي المسايرة: وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة لما استحالوا عَلَيْهِ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، فهم لتعذيب المحسن الَّذِي استغرق عمره فِي الطَّاعَة مُخَالفا لهوى نَفسه فِي رضَا مَوْلَاهُ أمنع بِمَعْنى أَنه يتعالى عَن ذَلِك فَهُوَ من بَاب التنزيهات: إِذْ التَّسْوِيَة بَين الْمُسِيء والمحسن غير لَائِق بالحكمة فِي نظر سَائِر الْعُقُول، وَقد نَص تَعَالَى على قبحه حَيْثُ قَالَ - {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون} - فَجعله سَيِّئًا، هَذَا فِي التجويز عَلَيْهِ وَعَدَمه، أما الْوُقُوع فمقطوع بِعَدَمِهِ غير أَنه عِنْد الأشاعرة للوعد بِخِلَافِهِ وَعند الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم لذَلِك، ولقبح خِلَافه انْتهى (وَذكرنَا فِي المسايرة) بطرِيق الْإِشَارَة (أَن الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّهَا بهَا مشمولة، وَالْقطع بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلهَا اخْتِيَارا (أَدخل فِي التَّنْزِيه). قَالَ فِي المسايرة، ثمَّ قَالَ: يَعْنِي صَاحب الْعُمْدَة من مَشَايِخنَا، وَلَا يُوصف تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ على الظُّلم والسفه وَالْكذب، لِأَن الْمحَال لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة وَعند الْمُعْتَزلَة يقدر وَلَا يفعل انْتهى وَلَا شكّ أَن سلب الْقُدْرَة عَمَّا ذكر هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، وَأما ثُبُوتهَا ثمَّ الِامْتِنَاع عَن متعلقها فمذهب الأشاعرة أليق وَلَا شكّ أَن الِامْتِنَاع عَنْهَا من بَاب التنزيهات فيسبر الْعقل فِي أَن أَي الْفَصْلَيْنِ أبلغ فِي التَّنْزِيه عَن الْفَحْشَاء أهوَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاع عَنهُ مُخْتَارًا فِي الشق الأول، أَو الِامْتِنَاع لعدم الْقُدْرَة فَيجب القَوْل بِإِدْخَال الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيه انْتهى. فَفِي قَوْله مَعَ الِامْتِنَاع مُخْتَارًا فِي الشق الأول، وَقَوله أَو الِامْتِنَاع لعدم الْقُدْرَة مَعَ مَا سبق من قَوْله: وَلَا شكّ أَن الِامْتِنَاع عَنْهَا من بَاب التنزيهات إِشْعَار بِأَن الأول أَدخل فِي التَّنْزِيه: إِذْ التَّنْزِيه فِيمَا لَيْسَ باختياري غير ظَاهر، وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا تَقْدِيم ذَلِك الشق فِي الذّكر، وَالْأول فِي المسايرة ثَان فِي هَذَا الْكتاب، خُذ (هَذَا وَلَو شَاءَ الله قَالَ قَائِل) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مَا سَنذكرُهُ لم يقل بِهِ أحد قبله (هُوَ) أَي النزاع بَين الْفرق الثَّلَاثَة (لَفْظِي، فَقَوْل الأشاعرة هُوَ أَنه) أَي الشَّأْن (لَا يحِيل الْعقل) أَي يجوز مَعَ قطع النّظر عَن الْأَدِلَّة الخارجية (كَون من اتّصف بالألوهية)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute