على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة حَتَّى قيل أَنه لَو لم يَأْكُل حَتَّى يَمُوت كَانَ آثِما (أَو) مَا شرع تَخْفِيفًا لحكم آخر مَعَ اعْتِبَار دَلِيله (متراخيا) حكمه (عَن محلهَا) أَي الرُّخْصَة (كفطر الْمُسَافِر) أَي كرخصة فطره وَالْمَرِيض فِي رَمَضَان، فَإِن دَلِيل وجوب صَوْمه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} - قَائِم، لَكِن تراخي حكمه عَن مَحل الرُّخْصَة، وَهُوَ السّفر وَالْمَرَض لقَوْله تَعَالَى - {فَعدَّة من أَيَّام أخر} -: وَقد يُقَال أَن قَوْله تَعَالَى " فليصمه " لَا يعم الْمُسَافِر بِقَرِينَة آخر الْكَلَام فَلَا يتَحَقَّق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ دَلِيل مُتَأَخّر الحكم، وَيُجَاب بِأَنَّهُ يدل على أَنه لَوْلَا وجود عذره لَكَانَ مثل غَيره فِي طلب الصَّوْم، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار جعل دَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَيْضا غير أَنه متراخ الحكم (والعزيمة) فِي هَذَا النَّوْع (أولى مَا لم يستضر) بهَا نظرا إِلَى قيام السَّبَب، وَأما إِذا استضر فَلَا أَوْلَوِيَّة للعزيمة، وَقد روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " هِيَ رخصَة من الله فَمن أَخذ بهَا فَحسن، وَمن أحب أَن يَصُوم فَلَا جنَاح عَلَيْهِ ". وَصَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر أَيْضا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَإِن مَاتَ بهَا) أَي بالعزيمة (أَثم) لقَتله نَفسه بِلَا مُبِيح، فَمَا فِي صَحِيح مُسلم من أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان حَتَّى بلغ كرَاع الغميم، ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فَشرب بِهِ، فَقيل لَهُ إِن بعض النَّاس قد صَامَ، فَقَالَ أُولَئِكَ العصاة مَحْمُول على أَنهم استضروا بِهِ بِدَلِيل مَا فِي لفظ لَهُ، فَقيل أَن النَّاس قد شقّ عَلَيْهِم الصَّوْم (والعزيمة ذَلِك الحكم) الْمعبر عَنهُ بقوله تَخْفِيفًا لحكم وَلَا يخفى أَن الْأَنْسَب ذكره قبل قَوْله، فالعزيمة أولى لكنه أَخّرهُ لما ذكر بعده مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ (فتقيد) الْعَزِيمَة (بِمُقَابلَة رخصَة، وَقد لَا تقيد) بمقابلتها (فَيُقَال) الْعَزِيمَة (مَا شرع ابْتِدَاء غير مُتَعَلق بالعوارض) فتعم مَا كَانَ فِي مُقَابلَة رخصَة وَمَا لم يكن (وتعرف الرُّخْصَة بِمَا تغير من عسر إِلَى يسر من الْأَحْكَام وَقسم كل) من الْعَزِيمَة الرُّخْصَة بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين (أَرْبَعَة) من الْأَقْسَام فقسم (الْعَزِيمَة إِلَى فرض) وَهُوَ (مَا) أَي حكم (قطع بلزومه) مَأْخُوذ (من فرض) بِمَعْنى قطع (وواجب بِمَا) أَي حكم (ظن) لُزُومه، سمي وَاجِبا (لسُقُوط لُزُومه) أَي وُقُوعه (على الْمُكَلف بِلَا علم) لَهُ بِثُبُوتِهِ علما قَطْعِيا فَهُوَ مَأْخُوذ (من وَجب) بِمَعْنى (سقط) قَالَ تَعَالَى فِي الْهدى بعد النَّحْر - {فَإِذا وَجَبت جنوبها} -: أَي سَقَطت، وَيحْتَمل أَن تكون التَّسْمِيَة بِاعْتِبَار دَرَجَته عَن مرتبَة الْعلم غير أَنه لَا يلائم إِلَّا الْحَنَفِيَّة (و) قَالَ (الشَّافِعِيَّة) بل الْجُمْهُور الْفَرْض وَالْوَاجِب اسمان (مُتَرَادِفَانِ) لفعل مَطْلُوب جزما (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الشَّافِعِيَّة (انقسام مَا لزم) فعله (إِلَى قَطْعِيّ) أَي ثَابت بِدَلِيل قَطْعِيّ دلَالَة وسندا (وظني) أَي ثَابت بِدَلِيل ظَنِّي دلَالَة وسندا (وَلَا) يُنكرُونَ (اخْتِلَاف حَالهمَا) أَي الْقطعِي والظني من حَيْثُ إِلَّا كفار لمنكره وَعَدَمه وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن الاسمين هَل هما لِمَعْنى وَاحِد يتَفَاوَت فِي بعض الْأَحْكَام بِالنّظرِ إِلَى طَرِيق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute