هُنَاكَ فِي الْمَعْنى اللّغَوِيّ واللغة لَا تفرق بَينهمَا (فَلَا يُنَافِي الْوُجُوب) وَلَا وجوب الْأَدَاء لِأَن عدم الاستحضار لَا يُوجب عدم أَهْلِيَّته، إِذْ هِيَ بِالْعقلِ وَالْبُلُوغ وَلَا نُقْصَان فيهمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لكَمَال الْعقل وَلَيْسَ) النسْيَان (عذرا فِي حُقُوق الْعباد) كَمَا أَنه عذر فِي حُقُوق الله تَعَالَى بِاعْتِبَار دفع الْإِثْم، فَإِن أتلف مَال إِنْسَان بنسيانه يجب عَلَيْهِ الضَّمَان، لِأَنَّهُ حق مُحْتَرم لِحَاجَتِهِ لَا للابتلاء، وبالنسيان لَا يَنْتَفِي هَذَا الاحترام (وَفِي حُقُوقه تَعَالَى) هُوَ (عذر فِي سُقُوط الْإِثْم) وَهُوَ المُرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع الله تَعَالَى عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ " رَوَاهُ الإِمَام ابْن حبَان وَصَححهُ الْحَاكِم وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ (أما الحكم) الدنيوي للْفِعْل الْوَاقِع نِسْيَانا (فَإِن كَانَ) النسْيَان مَقْرُونا (مَعَ مُذَكّر) لَهُ بِمَا هُوَ بصدده (وَلَا دَاع) قَالَ الشَّارِح وَالْأَحْسَن وَلَا دَاعِي كَأَنَّهُ أَرَادَ الْبناء على الْفَتْح تنصيصا على نفي الْجِنْس بِخِلَاف لَا المشبهة بليس لنُقْصَان نصوصيته عَلَيْهِ، وَكَأن المُصَنّف رَحمَه الله أَشَارَ إِلَى أَن الْمَعْنى بمعونة الْمقَام على أَنه وَلَا علم لَهُ بِالْفِعْلِ المنسي وَلَا دَاعِي لَهُ (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مَا فعله نَاسِيا (كَأَكْل الْمُصَلِّي) أَي كمذكره عِنْد الْأكل نَاسِيا فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَهُوَ هَيئته الْمَخْصُوصَة وَلَا دَاعِي لَهُ إِلَى الْأكل لقصر مدَّتهَا (لم يسْقط حكمه) أَي ذَلِك الْفِعْل الصَّادِر نِسْيَانا فتفسد الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (لتَقْصِيره بِخِلَاف سَلَامه فِي الْعقْدَة) الأولى نِسْيَانا على ظن أَنَّهَا الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ يسْقط حكمه فَلَا يُفْسِدهَا لانْتِفَاء الْمُذكر لِأَنَّهُ لَيْسَ للْمُصَلِّي هَيْئَة مذكرة أَنَّهَا الأولى، وَكَثْرَة تَسْلِيمه فِي الْقعدَة دَاعِيَة إِلَيْهِ (أَو) كَانَ (لَا مَعَه) أَي لَا مَعَ مُذَكّر وَلَكِن (مَعَ دَاع) إِلَى ذَلِك الْفِعْل (كَأَكْل الصَّائِم) فِي النَّهَار نَاسِيا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّوْم هَيْئَة مذكرة بِهِ والطبع دَاع إِلَيْهِ لطول مدَّته فَيسْقط حكمه (أَو) كَانَ (لَا) مَعَ مُذَكّر (وَلَا) مَعَ دَاع إِلَيْهِ (فَأولى) أَن يكون حكمه السُّقُوط أولى من كَون حكمه عدم السُّقُوط لِأَنَّهُ لما تعَارض مَا يَقْتَضِي السُّقُوط وَهُوَ عدم الْمُذكر، وَمَا يَقْتَضِي عدم الدَّاعِي رجح جَانب السُّقُوط تيسيرا (كَتَرْكِ الذَّابِح التَّسْمِيَة) فَإِن قيل هَيْئَة اضجاع الْحَيَوَان وَبِيَدِهِ المدية لقصد إزهاق روحه مذكرة لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا الدهشة والهيئة الْحَاصِلَة عِنْد قتل الْحَيَوَان تمحو ظُهُور أثر تذكرة فَلَا مُذَكّر فِي الْحَقِيقَة.
(وَأما النّوم ففترة تعرض مَعَ) وجود (الْعقل توجب الْعَجز عَن إِدْرَاك المحسوسات وَالْأَفْعَال الاختيارية و) عَن (اسْتِعْمَال الْعقل، فالفترة هِيَ معنى قَوْلهم: انحباس الرّوح من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن، وَهَذِه الرّوح بِوَاسِطَة الْعُرُوق الضوارب تَنْتَشِر إِلَى ظَاهر الْبدن وَقد تنحجر) أَي تنحبس (فِي الْبَاطِن بِأَسْبَاب مثل طلب الاسْتِرَاحَة من كَثْرَة الْحَرَكَة والاشتغال بتأثير فِي الْبَاطِن كنضج الْغذَاء) وَكَذَا تغلب النّوم عِنْد امتلاء الْمعدة (وَنَحْوه) كَأَن يكون الرّوح قَلِيلا لَا يَفِي بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن جَمِيعًا ولنقصانه ولزيادته أَسبَاب طبيعية، وَحَقِيقَة الإعياء نُقْصَان الرّوح بالتحلل بِسَبَب الْحَرَكَة. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute