إِذا علم يقطع بِعَدَمِ الرِّضَا فِي زمَان التَّكَلُّم بِالْإِيمَان، بِخِلَاف الْمُكْره فَإِنَّهُ رُبمَا يتبدل اعْتِقَاده فِي أَن التَّكَلُّم بِهِ وَأَيْضًا لَيْسَ عِنْد الهازل سوى اللَّفْظ الدَّال على الْإِسْلَام لَوْلَا الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة مَدْلُوله، فيكف ترجح على حَقِيقَة الْكفْر فَلْيتَأَمَّل (وَمِنْهَا) أَي المكتسبة من نَفسه (السَّفه) فِي اللُّغَة الخفة، وَعند الْفُقَهَاء (خفَّة تبْعَث الْإِنْسَان على الْعَمَل فِي مَاله بِخِلَاف مُقْتَضى الْعقل) وَلم يقل وَالشَّرْع كَمَا قَالَ بَعضهم، لِأَن مُقْتَضى الْعقل أَن لَا يُخَالف الشَّرْع لوُجُوب اتِّبَاعه عقلا (مَعَ عدم اختلاله) أَي الْعقل، فَخرج الْجُنُون والعته، (وَلَا يُنَافِي) السَّفه أَهْلِيَّة الْخطاب وَلَا الْوُجُوب لوُجُود مناطهما، وَهُوَ الْعقل وَالْقَوِي لظاهرة والباطنة فَهُوَ مُخَاطب بِجَمِيعِ الْأَوَامِر والنواهي فَلَا يُنَافِي (شَيْئا من الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة من حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْعباد (وَأَجْمعُوا على منع مَاله) أَي السَّفِيه مِنْهُ (أول بُلُوغه) سَفِيها لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} الَّتِي جعل الله لكم قيَاما: نهى الْأَوْلِيَاء عَن أَن يؤتوا الَّذين لَا رشد لَهُم أَمْوَالهم فيضيعوها، وأضاف الْأَمْوَال إِلَى الْأَوْلِيَاء على أَنَّهَا من جنس مَا يُقِيمُونَ بِهِ مَعَايشهمْ كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} -: أَو لأَنهم المتصرفون فِيهَا القوامون عَلَيْهَا (وعلقه) أَي إيتَاء الْأَمْوَال إيَّاهُم (بإيناس الرشد) حَيْثُ قَالَ - {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} -: أَي إِن عرفتهم ورأيتم فيهم صلاحا فِي الْفِعْل، وحفظا لِلْمَالِ - {فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} - (فَاعْتبر أَبُو حنيفَة مظنته) أَي الرشد (بُلُوغ سنّ الجدية) أَي كَونه جدا لغيره. ثمَّ بَينه بقوله (خمْسا وَعشْرين سنة) إِذْ أدنى مُدَّة الْبلُوغ اثْنَتَا عشرَة سنة. ثمَّ يُولد لَهُ ولد فِي سِتَّة أشهر فَإِنَّهَا أقل مُدَّة الْحمل، ثمَّ يبلغ اثْنَتَيْ عشر سنة ويولد لَهُ ولد فِي سِتَّة أشهر، وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه الْمدَّة مَظَنَّة بُلُوغ الرشد (لِأَنَّهُ لَا بُد من حُصُول رشد مَا نظرا إِلَيْهِ دَلِيله) أَي حُصُول الرشد لَهُ. ثمَّ بَين الدَّلِيل بقوله (من مُضِيّ زمَان التجربة) إِذْ التجارب لقاح الْعُقُول (وَهُوَ) أَي حُصُول رشد مَا (الشَّرْط لتنكيره) أَي لفظ رشدا فِي الْإِثْبَات، فَيتَحَقَّق بِأَدْنَى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم كَمَا فِي الشُّرُوط الْمُنكرَة، وَإِذا تعين المظنة مدارا للْحكم وَجب تَسْلِيم المَال عِنْد بُلُوغ هَذَا السن أونس مِنْهُ الرشد أَولا (ووقفاه) أَي صَاحِبَاه إيتَاء المَال (على حَقِيقَته) أَي الرشد (وَفهم تخلقه) أَي السَّفِيه بأخلاق الرشد (وَاخْتلفُوا فِي حجره) أَي السَّفِيه (بِأَن يمْنَع نَفاذ تَصَرُّفَاته القولية المحتملة للهزل) أَي الَّتِي يُبْطِلهَا الْهزْل وَهِي مَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالْإِجَارَة، أما الفعلية والقولية الَّتِي لَا يُبْطِلهَا الْهزْل، وَهِي مَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق فالسفه لَا يمْنَع نفاذها بالِاتِّفَاقِ (فأثبتاه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد حجر السَّفِيه عَنْهَا (نظرا لَهُ) لما فِيهِ من صِيَانة مَاله (لوُجُوبه) أَي النّظر (للْمُسلمِ) لإسلامه، وَإِن كَانَ فَاسِقًا ونظرا للْمُسلمين أَيْضا لِأَنَّهُ بإتلافه يصير دينا، وَيجب نَفَقَته من بَيت المَال فَيصير على نَفسه وعَلى الْمُسلمين وبالا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute