فَإِنَّهُ لَا يضمن من سَرقه، وَقد استوفى بِالْقطعِ مَا وَجب بالهتك فَلم يجب عَلَيْهِ شَيْء آخر، وروى الْحسن عَنهُ أَنه يجب الضَّمَان، لِأَن الِاسْتِهْلَاك فعل آخر غير السّرقَة وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فعلا آخر فَهُوَ اتمام الْمَقْصُود بهَا، وَهُوَ الِانْتِفَاع بالمسروق فَكَانَ معدودا مِنْهَا، وَأَيْضًا الْمَسْرُوق سَاقِط الْعِصْمَة لما قُلْنَا وَمَا يُؤْخَذ من السَّارِق غير ساقطها فَلَا مماثلة، وَالضَّمان يعْتَمد عَلَيْهَا بِالنَّصِّ، ثمَّ هَذَا فِي الْقَضَاء، وَأما ديانَة فَفِي الْإِيضَاح قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل للسارق الِانْتِفَاع بِهِ بِوَجْه من الْوُجُوه وَفِي الْمَبْسُوط عِنْد مُحَمَّد يُفْتى بِالضَّمَانِ للحوق الخسران للْمَالِك من جِهَة السَّارِق. قَالَ أَبُو اللَّيْث، وَهَذَا القَوْل أحسن (وَلَا يخفى أَنه) أَي لفظ جَزَاء (حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون خَاصّا بالعقوبة على الْجِنَايَة على حَقه تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ (بعادة الِاسْتِعْمَال، وَالْخَاص) إِنَّمَا يكون (بِالْوَضْعِ) لَا بعادة الِاسْتِعْمَال. ثمَّ عطف على قَوْله لاستخلاصها قَوْله (أَو لِأَنَّهُ) أَي الْجَزَاء (الْكَافِي فَلَو وَجب) الضَّمَان مَعَ الْقطع (لم يكف) الْقطع، وَالْفَرْض أَنه كَاف (وَفِيه نظر، إِذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاء الْمصدر الْمَمْدُود بل) الْكَافِي (المجزئ من الْأَجْزَاء أَو الجازئ من الْجُزْء وَهُوَ الْكِفَايَة) كَمَا هُوَ الْمَذْكُور فِي كتب اللُّغَة الْمَشْهُورَة (فَهُوَ) أَي سُقُوط الضَّمَان عَن السَّارِق بعد الْقطع (بالمروى) عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على مَا ذكره الْمَشَايِخ (لَا غرم على السَّارِق بعد مَا قطعت يَمِينه على مَا فِيهِ) من أَنه لَا يعرف بِهَذَا اللَّفْظ، وَأقرب لفظ إِلَيْهِ لفظ الدَّارَقُطْنِيّ " لَا غرم على السَّارِق بعد قطع يَمِينه " ثمَّ أَن رَاوِيه الْمسور بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن جده مَقْبُول، فإرساله غير قَادِح (وَالْحق أَنه) أَي عدم وجوب الضَّمَان مَعَ الْقطع (لَيْسَ من الزِّيَادَة) بِخَبَر الْوَاحِد على النَّص الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْقطع (لِأَن الْقطع لَا يصدق على نفي الضَّمَان وإثباته فيكونا) أَي نفي الضَّمَان وإثباته (من مَا صدقَات الْمُطلق) يَعْنِي لَو كَانَ الْقطع كالطواف الصَّادِق على طواف لَا طَهَارَة فِيهِ وَطواف فِيهِ طَهَارَة صَادِقا على نفي الضَّمَان وإثباته بِحَيْثُ يكونَانِ فردين لَهُ لَكَانَ يلْزم الزِّيَادَة بالْخبر الْمَذْكُور، لكنه لَيْسَ كَذَلِك (بل هُوَ) أَي نفي الضَّمَان (حكم آخر) غير مندرج تَحت الْقطع (أثبت بِتِلْكَ الدّلَالَة) الاستقرائية لجزاء (أَو بِالْحَدِيثِ) الْمَذْكُور، وَقد يُقَال وَكَذَلِكَ اشْتِرَاط الطَّهَارَة حكم آخر لَا يصدق عَلَيْهِ الطّواف فَإِن قلت مَا صدق عَلَيْهِ الطّواف إِنَّمَا هُوَ طواف لَيْسَ فِيهِ طَهَارَة قُلْنَا كَذَلِك هَهُنَا مَا صدق عَلَيْهِ الْقطع إِنَّمَا هُوَ قطع لَا تضمين فِيهِ، فَكَمَا أَن مُوجب إِطْلَاق الطّواف حُصُول الِامْتِثَال بإيقاع طواف بِلَا طَهَارَة وَمُوجب الْخَبَر عدم حُصُوله فبينهما تدافع، كَذَلِك مُوجب إِطْلَاق الْقطع حُصُول الِامْتِثَال بِقطع مَعَه ضَمَان وَمُوجب الْخَبَر عدم حُصُوله. فَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم عدم حُصُول الِامْتِثَال بِالْقطعِ مَعَ التَّضْمِين بِمُوجب الْخَبَر الْمَذْكُور لِأَن الِامْتِثَال لأمر فَاقْطَعُوا يحصل بِالْقطعِ على أَي وَجه كَانَ، غَايَة الْأَمر أَنه لَا يحصل الِامْتِثَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute