أَحدهمَا نصا وَالْآخر ظَاهرا فالنص يصلح لِأَن يكون مُبينًا للظَّاهِر (وَمَعْلُوم أَن الأول) من السمعيين (مُبين) على صِيغَة الْمَفْعُول، وَهَذَا دفع لما يُقَال من أَنَّهُمَا إِذا كَانَا متساويين لَا يتَعَيَّن الْمُبين عَن الْمُبين وَأما قَول أبي الْحُسَيْن وَيجوز بالأدنى أَيْضا فَبَاطِل لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِلْغَاء الرَّاجِح بالمرجوح كَذَلِك لَا يجوز إِلْغَاء أحد المتساويين بِالْآخرِ، فَإِن قيل يجوز إِلْغَاء أحد المتساويين فِي الثُّبُوت بِالْآخرِ الْمَرْجُوح فِيهِ فَلْيتَأَمَّل. (و) بَيَان (تَفْسِير، وَهُوَ بَيَان الْمُجْمل) باصطلاح الشَّافِعِيَّة، وَهُوَ مَا فِيهِ خَفَاء فَيعم باصطلاح الْحَنَفِيَّة الْخَفي والمشترك والمجمل (وَيجوز) بَيَان التَّفْسِير (بأضعف) دلَالَة أَو ثبوتا (إِذْ لَا تعَارض بَين الْمُجْمل وَالْبَيَان ليترجح) الْبَيَان عَلَيْهِ فَيلْزم إِلْغَاء الرَّاجِح بالمرجوح (و) يجوز (تراخيه) أَي بَيَان الْمُجْمل عَن وَقت الْخطاب بِهِ (إِلَى وَقت الْحَاجة إِلَى الْفِعْل وَهُوَ وَقت تَعْلِيق التَّكْلِيف) بِالْفِعْلِ (مضيقا) لَا وَقت تَعْلِيقه موسعا عِنْد الْجُمْهُور مِنْهُم أَصْحَابنَا والمالكية وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، وَاخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ وَابْن الْحَاجِب وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين (وَعَن الْحَنَابِلَة والصيرفي وَعبد الْجَبَّار والجبائي وَابْنه) وَبَعض الشَّافِعِيَّة كَأبي إِسْحَاق الْمروزِي وَالْقَاضِي أبي حَامِد (مَنعه) أَي منع تراخيه عَن وَقت الْخطاب بِهِ إِلَّا أَن الاسفرايني ذكر أَن الْأَشْعَرِيّ نزل ضيفا على الصَّيْرَفِي فناظره فِي هَذَا فَرجع إِلَى الْجَوَاز لنا لَا مَانع عقلا) من جَوَازه (وَوَقع شرعا كآيتي الصَّلَاة وَالزَّكَاة) أَي أقِيمُوا الصَّلَاة وَأتوا الزَّكَاة (ثمَّ بَين) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَفْعَال) للصَّلَاة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (والمقادير) لِلزَّكَاةِ كَمَا فِي كتب الصَّدقَات ككتاب الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَكتاب عمر رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب أبي دَاوُد وَغَيره (أما) ترَاخى بَيَان الْمُجْمل (عَن وَقت الْحَاجة فَيجوز) عقلا (عِنْد من يجوز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق) وهم الأشاعرة (لكنه) أَي تراخيه عَن وَقتهَا (غير وَاقع) وَمن لَا يجوزه لَا يجوز هَذَا لِأَن التَّكْلِيف بِمَا لَا يُعلمهُ الْمُكَلف تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاف، ثمَّ علل جَوَازه بِالْعقلِ بِمَا يُفِيد أَن يجوزه من لَا يجوز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق بقوله (لِأَنَّهُ) أَي الْجمل (قبل الْبَيَان لَا يُوجب شَيْئا) على الْمُكَلف بل إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ اعْتِقَاد حقية المُرَاد مِنْهُ لَا غير حَتَّى يلْحقهُ الْبَيَان (فَلم يحكم) الشَّارِع عَلَيْهِ (بِوُجُوب مَال يعلم) الْمُكَلف وُجُوبه عَلَيْهِ (بِحَيْثُ) إِذا لم يفعل ذَلِك (يُعَاقب بِعَدَمِ الْفِعْل) فَانْتفى وَجه المانعين عَنهُ بِأَن الْمَقْصُود إِيجَاب الْعَمَل وَهُوَ مُتَوَقف على الْفَهم والفهم لَا يحصل بِدُونِ الْبَيَان، فَلَو جَازَ تَأْخِيره أدّى إِلَى تَكْلِيف مَا لَيْسَ فِي الوسع واليه أَشَارَ بقوله (وَبِه) أَي بالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يُوجب شَيْئا قبل الْبَيَان (انْدفع قَوْلهم) أَي المانعين لَهُ تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل (يودى إِلَى الْجَهْل المخل بِفعل الْوَاجِب فِي وقته) وَجه الاندفاع أَن وَقت الْأَدَاء وَقت الْبَيَان وَقبل الْبَيَان لَا تَكْلِيف بإيقاع الْفِعْل بل باعتقاد حقية المُرَاد مِنْهُ إِجْمَالا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute