ذَلِك الطّلب وصدوره عَن الطَّالِب بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مظروف النِّسْبَة الإيقاعية الَّتِي قصد الطَّالِب صدورها عَن الْمَطْلُوب فِيهِ عِنْد الِامْتِثَال فقد طلب مِنْهُ على سَبِيل الْإِيجَاب صوما مستمرا فَمَا معنى عدم تَقْيِيد الْإِيجَاب بالتأبيد، نعم يَصح أَن يُقَال طلب الِاسْتِمْرَار ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك الطِّبّ، وَلَا يلْزم مِنْهُ التَّنَاقُض غير أَن مَانع جَوَاز النّسخ يَقُول: لَا يَلِيق بِجَانِب الْحق سُبْحَانَهُ، أَن يطْلب الِاسْتِمْرَار ثمَّ يرجع، وَله أَن يَقُول طلبه الِاسْتِمْرَار يدل على أَنه مُقْتَضى الْحِكْمَة والنسخ يدل على أَنه لَيْسَ مُقْتَضى الْحِكْمَة، وَهَذَا تنَاقض وَلَا حَاجَة إِلَى الْتِزَام كَون التَّأْبِيد قيدا للْحكم الأول وَأما قَول الشَّارِح الْعَامِل هُوَ مَادَّة الْفِعْل لَا صورته فَلَا طائل تَحْتَهُ كَمَا لَا يخفى على من ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد (وَإِن لزم) كَون صَرِيح التَّأْبِيد (قيدا لَهُ) أَي للْحكم (فمختلف) فِي جَوَاز نسخه، فَمنهمْ من أجَازه أَيْضا، وَمِنْهُم من مَنعه كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه (وَلَا يُفِيد) هَذَا الترديد عدم جَوَاز النّسخ (لجوازه) أَي النّسخ (بِمَا تقدم) من الدَّال على جَوَازه ثمَّ وُقُوعه فالتشكيك فِيهِ سفسطة، وَفِي نُسْخَة الشَّارِح هَهُنَا زِيَادَة وَهِي قَوْله (وَتَسْلِيم كَون الحكم الْمُقَيد) بالتأبيد (صَرِيحًا لَا يجوز نسخه لَا يفيدهم) أَي مانعي جَوَاز النّسخ (النَّفْي الْكُلِّي) لجوازه (الَّذِي هُوَ مطلوبهم مَعَ أَن الحكم الْمُقَيد بالتأبيد أقل من الْقَلِيل) انْتهى (قَالُوا) أَي مانعو جَوَازه سمعا وعقلا (أَيْضا: لَو رفع) تعلق الحكم (فإمَّا) أَن يكون رَفعه (قبل وجوده) أَي الْفِعْل امتثالا (فَلَا ارْتِفَاع، أَو) يكون رَفعه (بعده) أَي الْفِعْل (أَو) يكون (مَعَه) أَي الْفِعْل (فيستحيل) رَفعه لِاسْتِحَالَة رفع مَا وجد وانقضى، لِأَن ارْتِفَاع الْمَعْدُوم محَال كَمَا يَسْتَحِيل كَونه مرتفعا وَكَونه متحققا (وَلِأَنَّهُ تَعَالَى إِمَّا عَالم باستمراره) أَي بدوام الحكم الْمَنْسُوخ (أبدا فَظَاهر) أَنه لَا نسخ، وَإِلَّا يلْزم وُقُوع خلاف علم الله وَهُوَ محَال، لِأَنَّهُ جهل (أَولا) يعلم استمراره أبدا (فَهُوَ) أَي الحكم الْمَنْسُوخ (فِي علمه مُؤَقّت فينتهي) الحكم (عِنْده) أَي عِنْد ذَلِك الْوَقْت (وَالْقَوْل الَّذِي يَنْفِيه) أَي ذَلِك الحكم بعد ذَلِك الْوَقْت (لَيْسَ رفعا) لحكم ثَابت فَلَا يكون نسخا (وَالْجَوَاب عَن الأول أَنه) أَي قَوْلكُم لَو رفع، فَأَما إِلَى آخِره (ترديد فِي الْفِعْل) الَّذِي تعلق بِهِ الحكم (لَا) فِي (الحكم) الَّذِي هُوَ مَحل النزاع، إِذْ النّسخ ارْتِفَاع الحكم لَا الْفِعْل وَبطلَان ارْتِفَاع الْفِعْل لَا يسْتَلْزم بطلَان ارْتِفَاع الحكم (وَلَو أجْرى) الترديد (فِيهِ) أَي فِي الحكم (قُلْنَا المُرَاد) بالنسخ (انْقِطَاع تعلقه) أَي الحكم، يَعْنِي كَانَ تعلقه بِفعل الْمُكَلف مستمرا إِلَى زمَان النَّاسِخ وَعِنْده انْقَطع وارتفع مَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يرْتَفع لَوْلَا النَّاسِخ (كَمَا قدمْنَاهُ فِي التَّعْرِيف ونختار علمه) أَي أَنه تَعَالَى علم اسْتِمْرَار الحكم، الْمَنْسُوخ (مؤقتا ويتضمن) علمه بِهِ مؤقتا (علمه بِالْوَقْتِ الَّذِي ينسخه فِيهِ) وَعلمه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute