للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَأْي (رُؤْيا فَظَنهُ) أَي الْوُجُوب ثَابتا كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} - (وَمَا تُؤمر) أَي وَقَول وَلَده لَهُ افْعَل مَا تُؤمر (يَدْفَعهُ) أَي منع وجوب الذّبْح قيل تُؤمر مضارع فَلَا يعود إِلَى مَا مضى فِي الْمَنَام. وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ بِاعْتِبَار الِاسْتِمْرَار والبقاء (مَعَ) لُزُوم (الْإِقْدَام على مَا يحرم) من قصد الذّبْح وترويع الْوَلَد (لولاه) أَي الْوُجُوب الْقطعِي، فَإِن مثل هَذَا الْفِعْل مُمْتَنع شرعا وَعَادَة: وَلَا سِيمَا من الْأَنْبِيَاء، على أَن مَنَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِالْأَمر وَالنَّهْي وَحي مَعْمُول بِهِ (وعَلى أصلهم) أَي الْمُعْتَزلَة أَن الْأَحْكَام ثَابِتَة عقلا وَالشَّرْع كاشف عَنْهَا، وَيجب عَلَيْهِ تَعَالَى تَمْكِين الْمُكَلف من فهمها لَا بُد فِي إقدامه على الذّبْح من إِدْرَاكه لوُجُوب عقلا، وَمن تحقق شرع كاشف عَنهُ، وَمن تمكنه من فهم ذَلِك فنسبة الْإِقْدَام إِلَيْهِ بِمُجَرَّد ظن (توريط لَهُ) أَي إِيقَاع لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام (فِي الْجَهْل) فَيمْتَنع). فِي الشَّرْح العضدي وعَلى أصلهم هُوَ توريط لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَهْل بِمَا يظْهر أَنه أَمر وَلَيْسَ بِأَمْر وَذَلِكَ غير جَائِز انْتهى: وَهَذَا يحْتَمل وَجها آخر وَهُوَ أَن يكون التوريط من الله تَعَالَى بِأَن مَا يظْهر إِلَى آخِره (وَقَوْلهمْ) أَي الْمُعْتَزلَة (جَازَ التَّأْخِير) للذبح من غير لُزُوم عصيان (لِأَنَّهُ) أَي وُجُوبه (موسع). فِي الشَّرْح العضدي: وَاسْتدلَّ بِقصَّة إِبْرَاهِيم، وَهِي أَنه أَمر بِذبح وَلَده وَنسخ عَنهُ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل، أما الأول فدليل قَوْله افْعَل مَا تُؤمر وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لم يفعل، فَلَو كَانَ مَعَ حُضُور الْوَقْت لَكَانَ عَاصِيا وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنا لَا نسلم أَنه لَو لم يفعل وَقد حضر الْوَقْت لَكَانَ عَاصِيا لجَوَاز أَن يكون الْوَقْت موسعا فَيحصل التَّمَكُّن وَلَا يعْصى بِالتَّأْخِيرِ ثمَّ ينْسَخ، الْجَواب أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ موسعا لَكَانَ الْوُجُوب مُتَعَلقا بالمستقبل لِأَن الْأَمر بَاقٍ عَلَيْهِ قطعا فَإِذا نسخ عَنهُ فقد نسخ تعلق الْوُجُوب بالمستقبل وَهُوَ الْمَانِع عِنْدهم من النّسخ فقد جَازَ مَا قَالُوا بامتناعه وَهُوَ الْمَطْلُوب انْتهى (فِيهِ) أَي فِي قَوْلهم هَذَا (الْمَطْلُوب) وَهُوَ النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل، لِأَن حَاصِل هَذَا القَوْل تَسْلِيم وجوب الذّبْح ونسخه وَعدم لُزُوم الْعِصْيَان بِالتّرْكِ مَعَ حُضُور الْوَقْت لكَونه موسعا، وَلَا شكّ أَن الْوَقْت الموسع كل جُزْء مِنْهُ مُتَعَلق الْوُجُوب مَا لم يفعل الْوَاجِب، فالجزء الَّذِي وَقع فِيهِ النّسخ مِمَّا تعلق بِهِ الْوُجُوب وَعَدَمه يُوجب النّسخ، والمحذور الَّذِي ذَكرُوهُ على تَقْدِير النّسخ قبل التَّمَكُّن هَذَا بِعَيْنِه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لتَعَلُّقه) أَي الْوُجُوب (بالمستقبل) بِالنّظرِ إِلَى مَا قبل النّسخ من الْأَجْزَاء الَّتِي مَضَت من الْمُسْتَقْبل، وَإِنَّمَا ذكر تعلقه بالمستقبل لِأَنَّهُ المستلزم للتناقض بِخِلَاف الْأَجْزَاء الْمَاضِيَة فَإِنَّهَا مُتَعَلقَة للْوُجُوب فَقَط (وَهُوَ) أَي تعلق الْوُجُوب بالمستقبل (الْمَانِع عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة من النّسخ لَا من حَيْثُ أَنه مُسْتَقْبل بل من حَيْثُ أَنه مَحل للتناقض لما عرفت، وَقَالَ الشَّارِح

<<  <  ج: ص:  >  >>