وَإِنَّمَا بتحقق نسخ الحكم بِرَفْعِهِ لإبدال مَحَله يدل على بَقَاء الحكم، غير أَنه جعل هَذَا عوضا عَن ذَلِك، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَو ارْتَفع) وجوب ذبح الْوَلَد (لم يفد) إِذا لم يبْق مقَام حَتَّى يقوم الآخر مقَامه (وَمَا قيل) ردا لهَذَا الْجَواب (الْأَمر بذَبْحه) أَي الْفِدَاء (بَدَلا) عَن الْوَلَد (هُوَ النّسخ) لِأَنَّهُ رفع لطلب ذبح الْوَلَد وَإِيجَاب لذبح الْفِدَاء (مَوْقُوف على ثُبُوته) أَي ثُبُوت رفع ذَلِك الْوُجُوب وَإِثْبَات وجوب آخر (وَهُوَ) أَي الثُّبُوت الْمَذْكُور (مُنْتَفٍ) إِذْ لم يثبت نقلا وَلم يلْزم من مُجَرّد إِبْدَال الْمحل على مَا عرفت، لَا يُقَال إِن لم يلْزم ذَلِك فَهُوَ ظَاهر فِيهِ لِأَنَّهُ مَمْنُوع إِذْ الْإِبْدَال كَمَا جَازَ أَن يكون مَعَ إِيجَاب آخر جَازَ أَن يكون مَعَ الْإِيجَاب الأول بل مَا لَا يُؤدى إِلَى النّسخ أرجح، وَفِي التَّلْوِيح وَلَو قيل أَن الْخلف قَامَ مقَام الأَصْل لكنه استلزم حُرْمَة الأَصْل: أَعنِي ذبح الْوَلَد وَتَحْرِيم الشَّيْء بعد وُجُوبه نسخ لَا محَالة، فَجَوَابه أَنا لَا نسلم كَونه نسخا، وَإِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ حكما شَرْعِيًّا وَهُوَ مَمْنُوع، فَإِن حُرْمَة ذبح الْوَلَد ثَابِتَة فِي الأَصْل فَزَالَتْ بِالْوُجُوب ثمَّ عَادَتْ بِقِيَام الشَّاة مقَام الْوَلَد. قَالَ الشَّارِح وَهَذَا على منوال مَا تقدم من أَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيست نسخا كَمَا الْتَزمهُ بعض الْحَنَفِيَّة إِذْ لَا إِبَاحَة وَلَا تَحْرِيم إِلَّا لشرع يكون رفع الْحُرْمَة الْأَصْلِيَّة نسخا، ثمَّ إِذا كَانَ رَفعهَا نسخا يكون ثُبُوتهَا بعد رَفعهَا نسخا أَيْضا فَيبقى الْإِيرَاد الْمَذْكُور مُحْتَاجا إِلَى الْجَواب فَلْيتَأَمَّل. ثمَّ اخْتلف فِي الذَّبِيح. قَالَ الطوفي فالمسلمون على أَنه إِسْمَاعِيل وَأهل الْكتاب على أَنه إِسْحَاق، وَعَن أَحْمد فِيهِ الْقَوْلَانِ انْتهى. وَفِي الْكَشَّاف عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمُحَمّد ابْن كَعْب الْقرظِيّ وَجَمَاعَة من التَّابِعين أَنه إِسْمَاعِيل، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَالْعَبَّاس وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَجَمَاعَة من التَّابِعين أَنه إِسْحَاق، وَذكر كَونه إِسْحَاق عَن الْأَكْثَرين الْمُحب الطَّبَرِيّ، وَكَونه إِسْمَاعِيل مِنْهُم النَّوَوِيّ وَصحح الْقَرَافِيّ أَنه إِسْحَاق، وَابْن كثير أَنه إِسْمَاعِيل وَزَاد: وَمن قَالَ أَنه إِسْحَاق فَإِنَّهُ تَلقاهُ مِمَّا حرفه النقلَة من بني إِسْرَائِيل، وَذكر الفاكهي أَنه اثْبتْ الْبَيْضَاوِيّ أَنه الْأَظْهر (قَالُوا) أَي الْمُعْتَزلَة (ان كَانَ) أَي الْمَنْسُوخ (وَاجِبا وَقت الرّفْع اجْتمع الْأَمْرَانِ بالنقضين) الْأَمر بِالْفِعْلِ وَالْأَمر بِتَرْكِهِ (فِي وَقت) وَاحِد وتوارد النَّفْي والاثبات على مَحل وَاحِد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن وَاجِبا وَقت الرّفْع (فَلَا نسخ) لعدم الرّفْع (أُجِيب بِاخْتِيَار الثَّانِي) وَهُوَ أَنه لم يكن وَاجِبا وَقت الرّفْع (وَالْمعْنَى رفع) أَن يُوجب. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح رفع (إِيجَابه) أَي الْمَنْسُوخ (حكمه) الثَّابِت لَهُ (عِنْد حُضُور وقته) الْمُقدر لَهُ شرعا (لولاه) أَي النَّاسِخ فَإِن قلت: الْمَنْسُوخ هُوَ عين الحكم الأول فَمَا معنى إِيجَابه الحكم قلت الحكم الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف المتكرر سَببه الْمُؤَقت بِوَقْت قدر لَهُ شرعا لَهُ تعلقات جزئية بِاعْتِبَار تكَرر سَببه وتجدد وقته، فَكلما تجدّد سَبَب لَهُ وَقت يحدث وجوب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute