وَالأَصَح عِنْدِي أَنه إِن كَانَ مُعْلنا بِفِسْقِهِ فَلَا يعْتد بقوله، وَإِلَّا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع وَإِن علم بِفِسْقِهِ حَتَّى ترد شَهَادَته إِذْ يقطع لمن يَمُوت مُؤمنا مصرا على فسقه أَنه لَا يخلد فِي النَّار، فَهُوَ أهل للكرامة بِالْجنَّةِ فَكَذَلِك فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَار قَوْله فِي الْإِجْمَاع (وَقيل) وقائله إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ (يعْتَبر قَوْله) أَي غير الْعدْل (فِي حق نَفسه فَقَط كإقراره) أَي كَمَا يقبل إِقْرَاره فِي حق نَفسه بِالْمَالِ والجنايات إِلَى غير ذَلِك (وَيدْفَع) هَذَا الْقيَاس (بِأَنَّهُ) أَي إِقْرَاره مُعْتَبر (فِيمَا) أَي فِي حق يجب (عَلَيْهِ، وَهَذَا) أَي اعْتِبَار قَوْله فِيمَا نَحن فِيهِ (لَهُ) لَا عَلَيْهِ (إِذْ يَنْتَفِي حجيته) أَي الِاجْتِمَاع بإظهاره وَعدم الْمُوَافقَة فَيحصل لَهُ شرف الِاعْتِدَاد بِهِ وَالِاعْتِبَار بمقاله وَلَا يَصح الْقيَاس على إِقْرَاره، وَذهب بعض الشَّافِعِيَّة إِلَى أَنه إِذا خَالف يسْأَل عَن مأخذه لجَوَاز أَن يحملهُ فسقه على الْفتيا من غير دَلِيل، فَإِن ذكر مَا يصلح مأخذا لَهُ اعْتبر وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَهُ ابْن السَّمْعَانِيّ (وَعَلِيهِ) أَي على اشْتِرَاط عَدَالَة الْمُجْتَهد (يَنْبَنِي شَرط عدم الْبِدْعَة إِذا لم يكفر بهَا) أَي بالبدعة (كالخوارج) إِلَّا الغلاة مِنْهُم فَإِنَّهُم من أَصْحَاب الْبدع الجلية كَمَا مر فِي مبَاحث الْخَبَر وَلم يكفروا ببدعتهم (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا يشْتَرط فِيهِ عدم الْبِدْعَة (إِذا دَعَا) صَاحب الْبِدْعَة النَّاس (إِلَيْهَا) أَي إِلَى بدعته (لِأَنَّهُ) أَي كَونه دَاعيا إِلَى بدعته (يُوجب تعصبا) فِي ذَلِك المبتدع وَهُوَ عدم قبُول الْحق عِنْد ظُهُور الدَّلِيل بِنَاء إِلَى الْميل إِلَى جَانب الْهوى (يُوجب) ذَلِك التعصب (خفَّة سفه) أَي خفَّة عقل يكون للسفهاء (فيتهم) فِي أَمر دينه، فَإِن لم يدع إِلَيْهَا يكون قَوْله فِي غير بدعته مُعْتَبرا فَيعْتَبر فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ من أهل الشَّهَادَة وَلَا يعْتَبر فِي بدعته لِأَنَّهُ يضلل فِيهَا لمُخَالفَته نصا مُوجبا للْعلم. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: الصَّحِيح عندنَا لَا اعْتِبَار بموافقة أهل الضَّلَالَة لأهل الْحق فِي صِحَة الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ حجَّة عِنْد الله تَعَالَى إِجْمَاع أهل الْحق الَّذين لم يثبت فسقهم وَلَا ضلالتهم، وَوَافَقَهُ صَاحب الْمِيزَان وَالْمُصَنّف حَيْثُ قَالَ (وَالْحق إِطْلَاق منع الْبِدْعَة المفسقة لَهُم) أَي لأصحابها، يَعْنِي أَن الْبِدْعَة الْمَذْكُورَة تمنع اعْتِبَار قَول صَاحبهَا فِي الْإِجْمَاع على الْإِطْلَاق. قَالَ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ: قَالَ أهل السّنة لَا يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع وفَاق الْقَدَرِيَّة والخوارج وَالرَّوَافِض، وَلَا اعْتِبَار بِخِلَاف هَؤُلَاءِ المبتدعة فِي الْفِقْه، وَإِن اعْتبر فِي الْكَلَام، هَكَذَا روى أَشهب عَن مَالك وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد بن الْحسن، وَذكر أَبُو ثَوْر أَنه قَول أَئِمَّة الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْقطَّان الْإِجْمَاع عندنَا إِجْمَاع أهل الْعلم، وَأما من كَانَ من أهل الْأَهْوَاء فَلَا مدْخل لَهُ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو يعلى واستقراره من كَلَام أَحْمد (وَلذَا) أَي وَلكَون الْبِدْعَة المفسقة مَانِعَة من اعْتِبَار قَول صَاحبهَا (لم يعْتَبر خلاف الروافض فِي الْإِجْمَاع على خلَافَة الشُّيُوخ) أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute