الدَّالَّة على نفي ضَلَالَة الْأمة فَلَا يلْزم الِاسْتِدْلَال فَافْهَم (وَإِلَّا) لَو تحقق الْإِجْمَاع صَوَابا لَا عَن مُسْتَند (انقلبت الأباطيل) وَهُوَ مَجْمُوع أَقْوَال أهل الْإِجْمَاع (صَوَابا أَو أجمع على خطأ) إِن لم يكن صَوَابا، ثمَّ بَين وَجه الانقلاب بقوله (لِأَنَّهُ) أَي مَا أجمع عَلَيْهِ بِلَا مُسْتَند (قَول كل) أَي قَول كل الْأمة (وَقَول كل) فَرد مِنْهُم (بِلَا دَلِيل محرم) فَثَبت بِهَذِهِ الْمُقدمَة كَون مَجْمُوع الْأَقْوَال أباطيل، وبالمقدمة الأولى انقلابها صَوَابا لعدم اجْتِمَاعهم على الضَّلَالَة، وَقد يُقَال لَا نسلم امْتنَاع انقلاب الأباطيل صَوَابا. أَلا ترى أَن صَاحب التَّرْتِيب إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة وَلم يقضها وَصلى بعْدهَا خمس صلوَات وقتية حكمنَا بِفساد الْكل. ثمَّ إِذا ضم السَّادِسَة إِلَيْهَا انقلبت صَحِيحَة، وَله نَظَائِر غير هَذَا فَتَأمل (وَاسْتدلَّ) لهَذَا القَوْل الْمُخْتَار بِأَنَّهُ (يَسْتَحِيل) الْإِجْمَاع (عَادَة من الْكل لَا لداع) يَدْعُو إِلَى الحكم من دَلِيل أَو أَمارَة (كالاجتماع) أَي كاستحالة اجْتِمَاعهم (على اشتهاء طَعَام) وَاحِد. (وَيدْفَع) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِمَاع لَا يلْزم أَن يكون بِسَبَب دَلِيل. بل يجوز أَن يكون (بِخلق) الْعلم (الضَّرُورِيّ) بِكَوْن ذَلِك حكم الله تَعَالَى فِي قُلُوبهم جَمِيعًا (وَيصْلح) هَذَا الدّفع أَن يكون (جَوَاب) الدَّلِيل (الأول) وَهُوَ لُزُوم انقلاب الأباطيل صَوَابا (أَيْضا إِذْ) الْعلم (الضَّرُورِيّ حق) فَلَا يصدق على قَول وَاحِد مِنْهُم أَنه محرم إِذْ حرمته على تَقْدِير عدم الدَّلِيل وَعدم الْعلم الضَّرُورِيّ فَلَيْسَ الْجَواب أَن الدَّلِيل الثَّانِي أَن انْتَفَى. فَالْأول كَاف فِي إِثْبَات الْمَطْلُوب (بل الْجَواب أَنه) أَي احْتِمَال خلق الضَّرُورِيّ (فرض غير وَاقع) بِإِضَافَة فرض إِلَى غير وَاقع أَو بتوصيفه بِهِ، وَالْمرَاد بِهِ مَفْرُوض غير مُحْتَمل للوقوع، وَإِلَّا فمجرد عدم الْوُقُوع لَا يُفِيد عدم جَوَاز الْإِجْمَاع بِلَا مُسْتَند إِلَّا أَن يكون الْمطلب عدم الْوُقُوع لَا عدم الْجَوَاز (لِأَن كَونه تَعَالَى خَاطب بِكَذَا) لَا بُد مِنْهُ فِي الحكم الشَّرْعِيّ بل هُوَ هُوَ لِأَنَّهُ خطاب الله الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد وَهُوَ (لَا يثبت) شرعا (ضَرُورَة عقلية) أَي ثبوتا بطرِيق البداهة من غير مَأْخَذ سَمْعِي (بل) يثبت (بِالسَّمْعِ) أَي بِالدَّلِيلِ السمعي وَالْفَرْض انتفاؤه، لَا يُقَال هَذَا أول الْبَحْث، لِأَن مَأْخَذ الْأَحْكَام مضبوطة محصورة إِجْمَاعًا والضرورة لَيست مِنْهَا وَالْكَلَام فِي ثُبُوته عِنْد كل وَاحِد من المجمعين قبل انْعِقَاد الْإِجْمَاع (وَلَو ألْقى فِي الروع) بِضَم الرَّاء الْقلب (فالهام) فِي الْقَامُوس ألهمه لله خيرا لقنه الله إِيَّاه، وَلَا يظْهر الْفرق بَين هَذَا الْإِلْقَاء وَبَين ذَلِك الْعلم الضَّرُورِيّ الْحَاصِل بِغَيْر سَبَب من الْأَسْبَاب، وَهل هُوَ إِلَّا إِلْقَاء من الله فِي الْقلب دون الإلهام بطرِيق الْفَيْض بِخِلَاف ذَلِك غير ظَاهر، والإلهام (لَيْسَ بِحجَّة إِلَّا عَن نَبِي. قَالُوا) أَي المجوزون (لَو كَانَ) الْإِجْمَاع عَن سَنَد (لم يفد الْإِجْمَاع) للاستغناء بالسند عَنهُ (أُجِيب بِأَن فَائِدَته) أَي الْإِجْمَاع حِينَئِذٍ (التَّحَوُّل) من الْأَحْكَام الظنية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute