للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البضاعة، وقصور الباع في هذه الصناعة، وعلمي بأن من صنّف قد استُهدِف، ومن ألّف فقد استُقذِف، ولكنّ المأمور معذور، والعذرُ عند الكرام مقبول، وسمّيته بخزانة المفتين.

والمرجو ممن مُلئ بدرر الإنصاف طبعه، أن لا يبادر إلى إنكار أبكار ما يقرع سمعه، بل عليه أن يمعن النظر ويجانب الاعتساف، ثم يسلك مسلك الاستنكار أو الاعتراف؛ لأنّ الحكم إذا قُيّد بقيدٍ كان حكمًا آخر.

فيا ربّ صُنه عن لسانِ مُداهنٍ ... وعن كلّ طعّان دعيّ مذمَّم

فما عابه إلا سفيهٌ معاندٌ ... شقيٌّ حسودٌ وهو غير مكرَّم

وما ضر شمسًا أشرقت في علوّها ... جُحود حسودٍ وهو عن نورها عمِي

فرحم الله امرأً طوى ذيلَ الاعتراض، ونظر عليه بعين الرضا والإغماض، ولا ينظر إليه بالتبرّم والملال، والسآمة والاستثقال، ودعا لمن عمل فيه بالرحمة وخاتمة السعادة.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من صالحي عباده وعارفي آياته، ويوفقنا لمتابعة سيدنا -صلى الله عليه وسلم-، إنّه وليُّ الإنعام بالتوفيق للإتمام، وعلى سيّدنا ونبينا الصّلاة والسّلام والتحيّة والإكرام.

اللهم اجعلني من الشاكرين الذاكرين، وارزقني حَجة الإسلام، وزيارة حبيبك سيد المرسلين.

ربّنا تقبل منا إنك أنت السّميع العليم، وتب علينا إنّك أنت التواب الرحيم، ولا تضرب به وجوهنا يا إله العالمين.

وخدمت به (١) خزانة كتبِ من خصّه الله تعالى بالنفس القدسيّة، والرياسة الإنسية، وهو المولى الأعظم، الأعلم المذكور، أدام الله ظِلاله، وأفاض على كافة المسلمين فضله وأفضاله؛ إذ هو في هذا العصر متعيّنٌ لتربية أهل العلم والفضل، وعامرٌ بسيرته ما دُثر من سير أهل الجود والعدل، معنيٌّ بالأمور الدينية لا غير، موفَّقٌ لإحياء معالم كلّ خير، متفردٌ في اقتناء الكمالات الحقيقية، متخصّصٌ بإنشاء الخيرات الأخروية، فلا سلب اللهُ العالمَ ظلَّه، ولا عدِمهم إنعامه وفضلَه، فإنْ لاحظه بعين القَبول والرّضا، فذلك غاية السُّؤل والمبتغى، وبالله التوفيق.


(١) أي أنه جعل كتابه هذا إهداءً إلى خزانة كُتب مَن وصف، والظاهر أنه أراد السّلطان في زمانه، وهو وإن لم يصرّح بهذا، لكن جرت العادة بذلك. يُنظر في مثل هذه المقدّمة والإهداء: مقدمة الثعالبي في كتابه ثمار القلوب ١/ ٨، مقدمة الخزرجي في كتابه عيون الأنباء ص ٦.

<<  <   >  >>