للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعلم أن المفتي في زماننا من أصحابنا إذا استُفتي عن مسألة، وسُئل عن واقعة، إن كانت المسألة مرويّةً عن أصحابنا في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم، فإنّه يميل إليهم، ويفتي بقولهم، ولا يخالفهم برأيه وإن كان مجتهدًا متقنًا؛ لأنّ الظاهر أن يكون الحقَّ مع أصحابنا ولا يعدوهم، واجتهاده

لا يبلغ اجتهادهم، وهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف (١)، ومحمد (٢)، رحمهم الله، وهم ممن يُعتمد على مذهبهم، ويُقتدى بحسن سيرتهم، وهم الذين أحيوا سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجهها، واتفاقهم هدى، واختلافهم رحمة، ولا ننظرُ إلى قول من خالفهم، ولا نقبل حجته؛ لأنّهم عرفوا الأدلة، وميّزوا بين ما صحّ وثبت، وبين ضدّه (٣)، وهم المُشرَّفون بتشريف: "خيرُ القرونِ قَرني، ثم الذين يَلُونهم ...

" (٤) الحديث.

إذا أجمع الناس في واحدٍ ... وخالفهم في الثنا واحدُ

فقد دلّ إجماعهم دونه ... على عقله أنّه فاسدُ (٥)


(١) هو أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم القاضي الأنصاري، صاحب أبي حنيفة، الإمام المجتهد العلّامة، أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وهو المقدّم من أصحابه، له: الخراج والآثار وغيرها. توفي سنة ١٨٢ هـ. يُنظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص ٩٧، سير أعلام النبلاء ٨/ ٥٣٥، الجواهر المضية ٢/ ٢٢٠.
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني، العلامة، فقيه العراق، صاحب أبي حنيفة، أخذ عنه الشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلّام وغيرهم خلقٌ كثير، له: الأصل، كتب ظاهر الرواية، الآثار. ولد سنة ١٣١ هـ، وتوفي سنة ١٨٩ هـ. يُنظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص ١٢٥، سير أعلام النبلاء ٩/ ١٣٤، الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١/ ٥٢٦.
(٣) فيما نظّره نظر، فإن أبا حنيفة رحمه الله -كما نقله عنه ابن عابدين في الحاشية ١/ ٦٧ - يقول: "إذا صحّ الحديث فهو مذهبي"، ولعلّ الحامل على مثل هذا الكلام الاجتهاد في ضبط العوام، وعدم تشتيتهم، ومنع اضطرابهم، وهو وإن كان قصداً حسناً، لكنه ربما تسبب في الجمود المذهبي، وضعف التحرير والتدقيق.
(٤) جزء من حديثٍ أخرجه البخاري في صحيحه، [كتاب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، باب فضائل أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم]، (٥/ ٣:برقم ٣٦٥١)، ومسلم في صحيحه، [كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]، (٤/ ١٩٦٣:برقم ٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.
(٥) هذان البيتان أوردهما الماورديّ في أدب الدنيا والدين ص ٣٥٧، دون نسبةٍ إلى أحد.

<<  <   >  >>