للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: وحدثنا القاضي أبو عمر أنه حضر مجلس أبي جعفر محمد بن جرير الطبري فسأله عن مسألة من الفقه واتصل الكلام فيها- وكان من رجال التأليف ولم يكن من رجال النظر- فلما ضاق عليه الكلام قال لي: ألست ابن جارنا أحمد السمسار؟ قلت:

بلى، قال: فأنا أعرف دينه فكيف اعترف بك؟ فقلت: لأنه شاهد من شهر به (١) ما لم يجحده جرير فيك، فوجم (٢) ساعة ثم قال: نحن استدعينا المكروه لأنفسنا وأسألك ألّا تجيء إليّ دفعة أخرى.

قال: وسمعت علي بن نصر بن الصباح يقول: كان القاضي أبو عمر ابن السمسار لا يأكل السمك إلا دفعة واحدة عند وقت العنب، وهو أسمن ما يكون ببغداد فيشتري له منه شيء كثير، ويستدعي جماعة من القضاة والشهود ووجوه الأشراف والتجار لأكله ويعقد قبل فالوذج محكم وتشوى فراخ كثيرة، فيقدم طبق فالوذج في أول الطعام فيؤكل منه لقم، ثم تقدم الفراخ فيأخذ كل واحد منها فرخا، ثم يرفع ويقدم أنواع السمك فيأكل الناس إلى أن يستكفون، ثم تعاد الفراخ إليهم ثم الفالوذج فيأتون على آخره، فإذا رفع الطعام قال لأصحابه: أبشروا بالسلامة من ضرره فقد حصل بين الصفاقين.

وبه: قال وقال لنا أبو الحسن بن الصباح: وشاهدت لهذا القاضي أبي عمر عجبا وهو أنه كان كثير الخدمة للملوك والرؤساء، مغرما (٣) بقضاء حقوق الناس موقوفا على فقدهم، فحج في بعض السنين وعاد من الحج فلم يزل الناس ينتابونه لتهنئته بالسلامة، فصاحبته بضعة عشر يوما حتى يغص المسجد بهم وينقطع الطريق لازدحام دوابهم، فلما مات لم يخلف ولدا ولا ذا قرابة يعزى به، ولم يحضر جنازته إلا تلاميذه ومن كان يقرأ عليه، وكان نيفا وعشرين رجلا ولم يشهده أحد من تلك الجماعات ولا صلى عليه، وكان هذا من أعجب ما شاهدت.


(١) في الأصل، (ج): «شبهى».
(٢) في الأصل، (ب): «فرجهم».
(٣) في (ج): «معزيا» وفي الأصل: «معربما».

<<  <  ج: ص:  >  >>