أخبرنا لمع المهدي يوما إذ قال: أصبحت جائعا فأتى بخبز ولحم مبرد فأكل، ثم قال:
إني داخل هذا البهو وأنام فلا تنبهوني حتى أكون أنا الذي أنتبه قال: فدخل فنام ونمنا، قال علي بن يقطين: فو الله ما انتبهنا إلا بندائه، قال: رأيتم ما رأيت؟ قلنا: ما رأينا شيئا، قال: رأيت شيخا قائما على باب البهو لو كان في كذا وكذا لعرفته وهو يقول:
كأني بهذا القصر [قد] (١) باد أهله … وأوحش منه ركنه ومنازله
وصار عميد القصر من بعد بهجة … ومال إلى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه … تنادي بليل معولات حلائله
قال: فما أتت عليه إلا عشرة أيام حتى مات.
حدث محمد بن عبد الغفار أبو عبيد الله عمن أسنده إليه من وجوه الكتاب قال:
قال موسى أمير المؤمنين لعلي بن يقطين وهارون يراه: إن أبي كان يسر إليك أشياء يسترها عمن دونك فحدثني بها! فماطله على بذلك حتى أحفظه موسى، فقال له:
لتخبرني بما أسألك عنه وإلا فما لك ذمة، فقال له علي: أفعل ذاك يا أمير المؤمنين، إنا عبيد نحمل على السر يا أمير المؤمنين ولكن تؤخرني يومي، قال: فإني قد أخرتك، فلما كان من غد غدا علي في ثياب جدد وجد منها رائحة أنكرها موسى فقال: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين إنا عبيد نحمل على السر، فإذا أفشيناه عمن يمضي لم يسكن إلينا من بقي، وقد حملتني على أن أحدثك بما رأيت بذل دمي دونه، فإن أعفيتني من ذلك وإلا فأنا بين يديك، قال له موسى: فإنك لباذل دمك دون أن تخبرني بما سألتك عنه، قال: أجل يا أمير المؤمنين، قال: فإني قد أعفيتك من ذلك.
حدث محمد بن عمر الجرجاني، عن الفضل بن دكين قال: قال علي بن يقطين: ما سقط غبار موكبي على لحية رجل إلا أوجبت حقه. روى أبو محلم قال: كان الرقاشي، وأبو العتاهية متصلين بعلي بن يقطين فتوفى بعض أهل علي فوافاه المعزون وتأخر الرقاشي أياما، ثم أتاه معزيا فقال علي: التعزية بعد ثلاثة تجدد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة، فقال أبو العتاهية:
يا رقاشي تعلم واعترف بالحق تسلم … إن ذكراك التعازي بعد طول العهد مغرم
قرأت في كتاب «التاريخ» لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن مهدي الشاهد بخطه
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.