الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: وهكذا لم يتأخر ابن مسعود رضي الله عنه عن غزوة من الغزوات، بل لقد شهد الغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظل هكذا مع صاحبيه الجليلين الكريمين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى أرسله عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة وقال لهم: لقد أرسلت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود وزيراً، فاسمعوا لهما وأطيعوا، واقتدوا بهما، ثم قال: فوالله الذي لا إله إلا هو لقد آثرتكم بـ عبد الله على نفسي.
وانطلق ابن مسعود وزيراً لبيت مال الكوفة، وأخرج ما في جعبته المترعة من علوم القرآن والسنة، فعلم أهل الكوفة، حتى إن الإمام السرخسي رحمه الله تعالى قال: لقد بلغ عدد من تعلم على يد ابن مسعود وعلى يد أصحابه ما يقرب من أربعة آلاف عالم! إنها مدرسة ابن مسعود رضي الله عنه، فقد حول كثيراً من أهل الكوفة إلى علماء، علمهم القرآن والحديث، وكان وزيراً أميناً لبيت مال المسلمين، ألم أقل لكم: إنه كان أميناً في جاهليته قبل إسلامه؟! ألم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني مؤتمن، فما ظنكم به بعد الإسلام!