بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول وهو الآخر وهو الظاهر وهو الباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمّن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم وكما آمنا به ولم نره، فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وأوردنا بفضلك وكرمك ورحمتك حوضه الأصفى، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره، إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وزكى الله هذه الأنفس، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين وسيد الدعاة في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! هذا هو لقاؤنا العاشر مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ولا زلنا بفضل الله جل وعلا نطوف مع حضراتكم في بستان سير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ذلكم البستان المبارك، الذي لا ينقطع عبيره، ولا ينتهي شذاه، ولا تذبل أزهاره، ولا تموت وروده، ومن ثَم فمن الصعوبة بمكان أن نقف أمام جميع زهرات هذا البستان، لنستنشق عبيرها، ولنسعد بجمالها ونضرتها وبهائها، أجل! من الصعب أن نتحدث عن جميع هؤلاء الصحب الخيار؛ لأنهم عمر الزمن ونبض الحياة، ومن المحال أن نحسب أنفاس الزمن وأن نقدر نبض الحياة! فاسمحوا لي أيها الأحبة في الله، بعد أن قدمنا في اللقاءات الماضية نماذج مشرقة من القدوة الصالحة الطيبة، والمثل العليا لشباب الصحوة الإسلامية خاصة، ولجميع أبناء الأمة عامة، اسمحوا لي أن نكتفي بهذا القدر من الصحب الكرام رضوان الله عليهم جميعاً، لنقدم من اليوم وفي اللقاءات المقبلة -إن قدر الله لنا البقاء واللقاء- نماذج أخرى مشرقة من القدوة الطيبة، والمثل العليا لأخواتنا المسلمات، لأصل العز والشرف، لمربية الأجيال، ومخرجة الأبطال، هذه اللؤلؤة المكنونة، والدرة المصونة، للمسلمة التي تربعت على عرش حيائها طيلة القرون الماضية، تهز المهد بيمينها وتزلزل عروش الكفر بشمالها، للقلعة الشامخة أمام طوفان الباطل والكذب، لهذه المسلمة العظيمة، التي رفعت بيمينها كتاب ربها، وبشمالها لواء سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، في وقت خطط فيه أعداء الإسلام في الليل والنهار، وشنوا حملة وحرباً شرسة ضارية على المرأة المسلمة، وراحوا يخططون لها في كل لحظة وفي كل وقت وحين؛ للزج بها في مواقع الفتنة، ومستنقع الرذيلة الآسن، تنفيذاً عملياً لقولتهم الخبيثة الخطيرة التي تقول: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة الإسلامية ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع! فلقد علم أعداء ديننا أن أصل العز في هذا المجتمع الإسلامي، وأن ركن السيادة والطهارة والعفة هو المرأة المسلمة، فراحوا يخططون لها في الليل والنهار؛ ليقوضوا صرح هذا المجتمع الإسلامي، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ولكن {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١] ، ولكن {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠] ، ولكن {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦] .
وها نحن نرى الصحوة الإسلامية المباركة في جميع أنحاء العالم يمدها كل يوم فتيات في عمر الورود، زانهن حجاب أصاب أعداء الإسلام من الغرب والشرق وأفراخهم في بلاد المسلمين بالذهول والطيش والجنون والشرود! فها نحن الآن نرى حملة شرسة وحرباً علنية على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، لا سيما على هذا الشباب النقي الطاهر، الذي أعلن تمسكه بكتاب الله وشرع رسول الله، وعلى هؤلاء الفتيات الطاهرات العفيفات، اللائي تزين بحجاب رب الأرض والسماوات.
ولكن أيها الأحبة! أقولها بملء فمي: إن الله جل وعلا سيظهر دينه، وسيعلي كلمته، وسينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا وعد الله، والله لا يخلف وعده، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:٣٣] .