[وفاة معاذ بن جبل]
نام معاذ بن جبل ذلكم الشاب الوضيء الكريم المحيا، البراق الثنايا، الفقيه العلم، نام على فراش الموت في الثالثة والثلاثين من عمره، وينظر إلى أصحابه من حوله ويقول: [انظروا هل أصبحنا؟ فيخرجون ويقولون: كلا.
فيسألهم مرة أخرى: انظروا هل أصبحنا؟ فيرجعون ويقولون: نعم.
لقد أصبحنا، فيقول معاذ بن جبل [أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار] .
يا سبحان الله! معاذ الشاب الذي نشأ في الإسلام، شاب نشأ في عبادة الله، وعلى طاعة الله، أسلم يا أحبتي في الثامنة عشرة، وهاهو الآن يسلم الروح إلى خالقها جل وعلا في الثالثة والثلاثين، حياته كلها شرف، كلها فخر، كلها عزة، كلها طاعة، ينام على فراش الموت، ويقول: [أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار] .
ثم جعل يقول: [مرحباً بالموت مرحباً، زائر جاء بعد غيبة، وحبيب جاء على فاقة، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك ولكني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أنني لم أحب الدنيا لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر] .
وفاضت روحه الطاهرة ليلقى الأحبة محمداً وصحبه، رضي الله عن معاذ، وصلى الله على أستاذه ومعلمه، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم معهم في دار كرامته، ومستقر رحمته إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة في الله: هذه قدوتنا، وهذه مثلنا في وقت قدم فيه التافهون والفارغون والساقطون ليكونوا القدوة والمثل، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن ينهلون من هذا النبع الصافي الكريم، وممن يسيرون ويقتفون أثر هؤلاء الأطهار الأخيار الأبرار، وأن يرزق الأمة -وهو على كل شيء قدير- بأمثال هؤلاء، عسى أن يتقبل الله سبحانه وتعالى منا هذا الدعاء.
اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم أقر أعيننا بنصرة دينك يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة الأمر لما تحبه وترضاه، برحمتك يا أرحم الراحمين! وارزقهم اللهم البطانة الصالحة الناصحة الخيرة، أنت ولي ذلك والقادر عليه، وأنت على كل شيء قدير.
أحبتي في الله: أكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا قد أمرنا بذلك في محكم تنزيله فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهوٍ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.